كانت نائمة لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها لشدة مكرها وما فعلته بمن سبق من الأمم... فقد كان الجميع يعرف أنها منبع كل شر وفساد على الأرض، حتى صفر ناعق في أحد أذنيها لتستيقظ متهللة... لتنتصب بقامتها الكريهة، وتشمر عن ساعديها لتبدأ نفث رائحتها النتنة بوجه العالم. وجهها مكفهر، ولكنها تخفيه بأقنعة بيضاء رسمت عليها ابتسامة صفراء، تسير بين الناس وتتغلغل بينهم، من دون أن يشعر بها أحد أو يدل عليها، ما عدا أولي الألباب، هم من يستطيعون اشتمام رائحتها، والتحذير من ملامح هطولها المدمر. تشعل النار وتوقدها في النفوس، لتعيش أكبر عمر على حساب العقول والدماء، فلا تسكن ولا تستريح حتى ترى ألسنة دخانها جهرة تخنق كل من يعيش على هذه الأرض. كيف لا، وهي وراء كل مشروع حقد وخلف كل راية حرب، وإن تلونت بكل شكل، وتسمت بألف أسم، فهي نفسها تلك الخبيثة «الفتنة»، قاتلها الله أينما حلت. ما أجهلنا ونحن نعلم بأنها سبب أغلب مصائب العالم، ومع ذلك نزيد من حطبها لتقتات على أمننا وأماننا، للأسباب نفسها التي دفعت شعوب قبلنا لحمل لوائها من دون وعي منهم، فنكلت وغدرت بها. ماذا لو بادرنا بإسكات صوتها، وتجاهلناها حتى تنطفئ وتأكل بعضها؟ ماذا لو استخدمنا سلاح الحكمة لنوقف تدفقها وتفرعها وتوغلها؟ فهي بقدر قبحها وفجورها، فإنها لا تستطيع أن تقاوم الجمال والطهر. وبقدر بغيها وخبثها، إلا أنها تتقهقر أمام النور والصدق. لذا علينا أن نكون أكثر وعياً، ونعرف من أين يأتينا الدخان لكي نتصدى لها حتى تخمد وتنتهي، فكل فرد على هذه الحياة له الحق أن يعيش بأمن وسلام، إلا أن يمس حرية غيره، فتقبل الآخرين بألوانهم واختلافاتهم الفكرية والعقائدية هو أول العلاج، فالتاريخ مملوء بالدروس والعبر التي تستحق التأمل، فإن لم نتكاتف لدحرها، فإنها ستعود بنا إلى الوراء، وتجرنا نحو الظلام، وعلينا أن نحكم عقولنا ولا نسمح لها ولا لمن أيقظها بأن تمارس خدعتها علينا. anwartaneeb@gmail.com
مشاركة :