يوسف والذئاب الخمسة : هل تصدق الحكومة الثامنة ؟

  • 8/11/2016
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

كمال بالهادي فرض رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي خياره للشخصية التي سترأس الحكومة القادمة، والتي ستسعى إلى إنقاذ البلاد من أزماتها المتعددة، ورغم اعتراض أحزاب المعارضة المشاركة في مفاوضات قرطاج إلاّ أنه يبدو جلياً أن الأمر قد حسم، ليأتي الدعم من حزبي الائتلاف الآخرين، وليقع تمرير اسم يوسف الشاهد كرئيس لحكومة الوحدة الوطنية، وهي حكومة إنقاذ بالأساس..فهل ستصدق الحكومة الثامنة؟ رئيس الحكومة المكلف، الذي وقع تكليفه بتشكيل فريقه الوزاري سيكون أمام جملة من التحديات، عرضها بنفسه في خطاب التكليف، فالوعود كثيرة والانتظارات كبيرة، وجماعة مفاوضات حكومة الوحدة، وضعوا أنفسهم في زاوية ضيقة هذه المرة فإما الإنقاذ، وإما الذهاب إلى انتخابات مبكرة، إذا ما فشلت حكومة يوسف الشاهد في الإيفاء بالوعود... لن نتوسع في جرد التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة، لأن الجميع بات يعرف الداء، ولكن العلاج هو الذي يتأخر في كل مرة. والحقيقة أن الأولويات الخمسة التي ذكرها رئيس الحكومة المكلف لا تختلف في شيء عن تلك التي تحدث عنها الحبيب الصيد عند تكليفه ولا تختلف في شيء عن تلك التي تحدث عنها وقبلهما المهدي جمعة عند تكليفه، واستمرار هذه الأولويات يعبّر عن فشل الحكومات في حل أي واحدة منها رغم الإنجازات البسيطة في كل مجال. ليست المشكلة في الأولويات، بل في طريقة حلها. والحكومة الجديدة ستكون ملزمة بتحقيق نتائج فعلية وإلا فإن البلاد ستنحدر إلى أزمات لا تعرف نهاياتها. الثابت أن الأولويات تحولت بفعل التراكمات إلى ذئاب مفترسة، وما على يوسف الشاهد الذي قبل المهمة إلا القضاء على هذه الذئاب، وتخليص البلاد من شرورها، مع علمنا أن الإمكانيات محدودة، والخيارات ضيقة. الذئب الأول الذي ستواجهه حكومة الشاهد، هو ما سماه أولوية القضاء على الإرهاب، والحقيقة أن هذه الأولوية هي خبز يومي بالنسبة للحكومات السابقة، وقد تقدمت حكومة الحبيب الصيد أشواطاً في محاربة الإرهاب وحققت نجاحات بعد صدمات مؤلمة تلقتها البلاد في تونس العاصمة في مناسبتين وفي مدينة سوسة. وما على يوسف الشاهد سوى مواصلة هذه النجاحات، وإبقاء الإصبع على الزناد لأن خطر الإرهاب مازال قائما كما قال هو. والحقيقة أن هذه الأولوية، لا تشكل أي خلاف بين القوى السياسية التونسية، خاصة إذا ما واصلت حكومة الشاهد دعم المؤسسة الأمنية بالتجهيزات وأبعدتها عن التجاذبات السياسية. الذئب الثاني، الذي ستواجهه حكومة يوسف الشاهد، هو أخطبوط الفساد، وفي أول تصريح له، رفع الشاهد من سقف التوقعات، عندما تحدث عن إعلان حرب على الفساد. ومثل هذا التعهد سيجعل رئيس الحكومة المكلف في مأزق حقيقي، لأن إعلان حرب من المسؤول التنفيذي الأول في الحكومة يجب ألا يكون مجرد كلام، والحرب على لوبيات الفساد التي تنخر جسم الدولة وتنهك الاقتصاد، يتطلب دعماً سياسياً قوياً من الائتلاف الداعم ومن البرلمان ومن القضاء ومن الأمن ومن الجيش أيضاً، وبرغم حسن نوايا الحكومات السابقة إلا أنها عجزت فعلياً عن محاربة الفساد، بل إن الظاهرة ازدادت تغلغلاً في كل أجهزة الدولة، وبات الاقتصاد الموازي يمثل نصف الاقتصاد التونسي. حتى إن رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي وصف الدولة بأنها صارت خاضعة لجماعات الضغط والنفوذ، حيث قال الجبالي إن الدولة هي في انحدار سياسي واجتماعي وأخلاقي إلى أن وصلت إلى وضعية خطيرة يمكن وصفها بتحلل الدولة لصالح العصابات ولوبيات التأثير المنتشرة كالسرطان في جسم المجتمع. ورئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد تحدث كثيراً عن انتشار الفساد، لكنه لم يفعل إلا القليل. فهل سينجح يوسف الشاهد في حربه على الفساد؟ الأمر متروك له وللائتلاف الذي يدعمه، وللنتائج التي ستحقق على الأرض. الذئبان الثالث والرابع اللذان لا يقلان خطورة، يتعلقان بمحاربة الركود الاقتصادي وبتحقيق التوازنات المالية للدولة. وهاتان المشكلتان لم يغب منهما أي خطاب تكليف لرؤساء الحكومات السبعة الذين سبقوه. والنتيجة كانت في كل مرة، ركود اقتصادي واختلال مستمر في الموازنات العامة للدولة. خطاب الشاهد استند إلى عنصرين مفصليين في توجهات حكومته للخروج من الأزمتين الاقتصادية والمالية. العنصر الأول يتمثل في حديث عن ضرورة التضحيات ونكران الذات، وهذه رسالة مشفرة بعث بها للأطراف الاجتماعية، وهي دعوة مبطنة لهدنة اجتماعية قد تكون طويلة ولتضحيات قد تفرضها السياسات التقشفية التي قد تكون الحكومة الجديدة مجبرة على الذهاب فيها، وفق التزاماتها الإصلاحية التي تعهدت بها لمؤسسات التمويل الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي. والعنصر الثاني يكمن في حديثه عن ضرورة فرض هيبة الدولة، وفرض القانون وهي آليات لا بد منها لتنفيذ وعود الحكومة الجديدة. المشكلة الأخيرة ضمن أولويات حكومة الشاهد، هي المشكلة البيئية التي تعصف بالبلاد منذ 2011، تضاف إليها أزمة المياه، والتي تحولت إلى أزمة عطش خاصة في موسم تشتد فيه الحرارة. وما على الشاهد الخبير في المجال الفلاحي سوى تقديم حلول فعلية تروي ظمأ الشعب. الشعب التونسي ومنذ سنة 2011، وهو يتجرع الخيبات ويعيش على وقوع الأزمات والوعود التي لا تتحقق، والطبقة السياسية تتلون في كل مرة وتحاول التكيف من أجل أن تبقى في المشهد، دون أن تقدر على تنفيذ أي من الوعود التي قطعتها على نفسها خلال كل المناسبات الانتخابية السابقة. ويوسف الشاهد سيكون أمام امتحان عسير، فإما أن يروي ظمأ الشعب بالإصلاحات، وبالتنمية والتشغيل والأمن، وإما أن يدفع عجلة الانحدار بأكثر سرعة، وحينها لن تجد الطبقة السياسية ما تحمي نفسها به. يوسف الشاهد سيكون في مواجهة اختبارات عسيرة، فشل من سبقوه إلى مكتب القصبة في تجاوزها. وهو إن كان يريد ألا يكون مجرد رقم يفسح المجال لما بعده، عليه أن يجيب عملياً - لا غير- عن تساؤلات المنتظرين منذ 2011. وعليه أن ينجح في تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي نحو واقع أفضل. وروح الشباب التي لديه وروح الأمل التي حاول أن يبثها في أقرانه العاطلين عن العمل، عليها أن تقفز على جبال من المعوقات التي تراكمت منذ عقود. kamelbelhedi@yahoo.fr

مشاركة :