إسكتلندا.. بين إغراءات الاستقلال ومحاذيره

  • 8/11/2016
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

* د. محمد فراج أبو النور عادت الأضواء لتسلط على إمكانية استقلال إسكتلندا مرة أخرى، حينما شهدت مدينة جلاسجو- كبرى المدن الإسكتلندية - تظاهرة شارك فيها آلاف من المواطنين مطالبة بتنظيم استفتاء جديد حول خروج بلادهم من بريطانيا. والواقع أن احتمال استقلال إسكتلندا يمثل كابوساً حقيقياً للساسة البريطانيين.. فهي ثاني أهم مكونات المملكة المتحدة، إنجلترا- إسكتلندا- ويلز- أيرلندا الشمالية. وكل تاريخ بريطانيا الحديث والمعاصر هو تطور مشترك للإنجليز والإسكتلنديين بصفة أساسية منذ الاتحاد بين مملكتي إنجلترا وويلز وإسكتلندا في أوائل القرن الثامن عشر 1707 لتشكلا معاً بريطانيا العظمى التي ضمت إليها جزيرة إيرلندا فيما بعد، غير أن الأخيرة خاضت صراعاً ضارياً من أجل الاستقلال، وحصلت عليه فعلاً عام 1922 بعد أن انتزعت منها بريطانيا إقليم إيرلندا الشمالية، الذي أصبح منذ ذلك الوقت أحد مكونات المملكة المتحدة. وتحتل إسكتلندا الثلث الشمالي من الجزيرة البريطانية الكبرى. وتبلغ مساحتها حوالي 79 ألف كم2 من إجمالي مساحة بريطانيا البالغة 242.5 ألف كم2، ويبلغ عدد سكانها 5 ملايين و150 ألف نسمة. وهي من أكثر مناطق بريطانيا تقدماً من الناحية الصناعية والتكنولوجية والعلمية، وعاصمتها أدنبرة وكبرى مدنها جلاسجو وهي من أهم المراكز الاقتصادية في البلاد، ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 250 مليار دولار أي قرابة 10% من النتاج المحلي الإجمالي لبريطانيا العظمى، وتنتج أكثر من 90% من الإنتاج البريطاني من النفط والغاز ونصف أجهزة الكمبيوتر التي تصنعها بريطانيا. وهي من أهم مراكز صناعة المعدات الإلكترونية والصلب، والآلات والمحركات والصناعات الهندسية، والكيماوية، والسفن، والمنسوجات الصوفية، فضلاً على الصناعات الغذائية وتعليب الأسماك والويسكي الإسكتلندي الشهير. كما أن إسكتلندا تمثل أيضاً مركزاً مالياً مهماً، وتدير بنوكها 1.2 تريليون دولار في الاستثمارات وصناديق التعاقد. ورغم أن إنتاج النفط الإسكتلندي بدأ يتناقص بصورة مطردة في السنوات الأخيرة في إطار تناقص إنتاج حوض بحر الشمال عموماً.. من 1.362 مليون برميل/ يومياً عام 2008 إلى 820 ألف برميل/يومياً عام 2013 ، إلا أنها ستظل مصدراً شديد الأهمية للنفط بالنسبة للاقتصاد البريطاني، فضلاً عما وفرته له من مكاسب وميزات خلال العقود الماضية. وبديهي أن السوق البريطانية الضخمة تقدم بدورها فرصاً هائلة للاقتصاد الإسكتلندي، لم يكن من الممكن أن يزدهر دونها.. وتمثل هذه السوق الشريك الطبيعي الأهم لإسكتلندا.. غير أن قرب الأخيرة من أوروبا، وتزايد الاندماج بين أسواق التجارة عموماً في ظل الاتحاد الأوروبي يجعل من فقدان الاقتصاد البريطاني بما فيه الإسكتلندي ميزات الوجود ضمن الاتحاد العتيد عنصر خسارة لإسكتلندا، ما يجعلها غير راغبة في الخروج منه، وغير راضية عن التطورات الأخيرة في الموقف البريطاني. ورغم تنامي النزعات القومية، وتزايد شعبية الحزب القومي الإسكتلندي خاصة خلال العقد الأخير حصل على الأغلبية للمرة الثالثة على التوالي في برلمان الإقليم.. كما حصل على 58 مقعداً من 59 مقعداً مخصصة لإسكتلندا في مجلس العموم البريطاني، فإن النزعة العقلانية البراغماتية للحزب وناخبيه أدت إلى تصويت أغلب الناخبين بالرفض في استفتاء عام 2014 حول الاستقلال عن بريطانيا، خاصة بعد حصول الإقليم على بعض المكاسب ذات الطابع الاقتصادي، وتوسيع سلطات الحكم المحلي. وقد أشار استطلاع للرأي تم إجراؤه في أعقاب استفتاء البريكسيت إلى تأييد 52% من الإسكتلنديين لإجراء استفتاء جديد حول الاستقلال عن بريطانيا.. كما اتخذت حكومة الإقليم بزعامة نيكولا ستيرجين قراراً ببحث إمكانية تنظيم استفتاء بهذا الصدد، إلا أنه بعد مرور أسابيع عدة وتحديداً في أواخر يوليو/تموز الماضي، وأشار استطلاع آخر للرأي أجرته مؤسسة بوجوف إلى تحول لا يمكن إهماله في اتجاه الرأي العام، حيث أعلن 55% من المشاركين عن رغبتهم في البقاء في إطار بريطانيا. وبديهي أن استطلاعات الرأي لا تعكس حقائق بنفس صلابة نتائج الانتخابات، لكنها تشير إلى تحولات الرأي العام، خاصة في بلدان ديمقراطية محترمة تمثل بريطانياإسكتلندا، حيث تراعي ضوابط إجراء استطلاعات الرأي بصورة علمية تجعلها أقرب للدقة في عكس اتجاهات الرأي العام.. وهو ما رأيناه في الاستفتاء الإسكتلندي في حينه والاستفتاء البريطاني الأخير. ورأينا أن هذا التحول الملحوظ يرجع إلى ما تبين بعد البيريكست من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يكون سريعاً، وإنما سيستغرق سنوات من المفاوضات والإجراءات التدريجية. كما أن الحكومة البريطانية برئاسة تريزا ماي أعربت بوضوح عن رغبتها في بحث إمكانية إقامة منطقة تجارة حرة مع أوروبا وعدم القطيعة من الاتحاد الأوروبي، بعد أن يكفل لها الخروج منه التخلص من أعباء المشاركة في نفقات دعم المؤسسات الاتحادية والضمانات الاجتماعية والصحية ومن تسهيلات الهجرة والإقامة التي تفرضها قوانين الاتحاد. وبهذا تكسب بريطانيا مغانم الاتحاد الأوروبي وتتجنب مغارمه، ويبدو هذا التوجه مناسبا للإسكتلنديين. كما يجب أن نشير إلى أن رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تريزا ماي قامت بزيارة إلىأدنبرة في النصف الثاني من الشهر، وطمأنت نيكولا ستيرجين إلى أن لندن مهتمة بمراعاة مصالح إسكتلندا وعدم القطع مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً على إمكانية بحث تقديم ميزات جديدة إلى إسكتلندا، ومساحة أوسع من الحكم الذاتي والاستقلالية، الأمر الذي من شأنه تشجيع أدنبرة على البقاء في إطار بريطانيا، وعدم الإصرار على الاتجاه نحو الاستقلال مع التلويح به لانتزاع مكاسب إضافية. وبناء على ما سبق يمكننا القول إن إسكتلندا ليست مستعجلة على خطوات استقلالية جدية خلال السنوات القليلة القادمة على الأقل. بمجرد إعلان نتائج الاستفتاء البريطاني على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه بموافقة 52% من الناخبين على خروج المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد، اندلعت التكهنات بأن توابع الزلزال البريطاني يمكن أن تمتد إلى تفكك المملكة المتحدة نفسها، وأن تسعى إسكتلندا إلى الخروج من إطار بريطانيا العظمى.. وزاد من انتشار تلك التكهنات أن الإسكتلنديين صوتوا بأغلبية 62% لصالح بقاء بريطانيا داخل الأسرة الأوروبية، وأن الزعماء المحليين الإسكتلنديين صرحوا بأن مصالح بلادهم تتحقق بصورة أفضل في إطار الاتحاد الأوروبي، كما اتخذت حكومة الإقليم برئاسة نيكولا ستيرجين- التي يصفها بعضهم بأنها سيدة إسكتلندا الحديدية - قراراً ببحث إمكانية إجراء استفتاء على الاستقلال عن بريطانيا، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كدولة مستقلة. كاتب مصري

مشاركة :