كل ما يتطلبه الأمر كبسة زر خاطئة

  • 8/12/2016
  • 00:00
  • 67
  • 0
  • 0
news-picture

عزل الأبناء عن كل المؤثرات الاجتماعية ووسائل التقنية أمر مستحيل، لكن علينا أن نحاورهم بشفافية ونقوّم تصرفاتهم بلطف، ولا نسلّمهم لقمة سائغة لأصدقاء المواقع الإلكترونية تحاول الأسر المثقفة والمتعلمة بكل ما أوتيت من حكمة، أن تقدم نماذج متزنة لأبنائها، فيغرس الآباء والأمهات القيم ويغذونها ويمارسون ما يرون أنه ينفع الشاب والشابة في رحلة الحياة، من تطبيق ونصح وإرشاد وتوجيه. يعمد البعض كذلك إلى إشراك أبنائهم في الأنشطة التطوعية التي تنمي شخصياتهم، وتعزز إحساسهم بقضايا العالم حولهم، رغبةً منهم في تقديم خدمة للناس خلال رفع وعيهم. على الرغم من كل هذا الزخم، ربما تُفاجأ الأسرة أحيانا بزلة إلكترونية من هذا الابن أو تلك البنت، تدفعهم إلى التفكير في سبب إخفاقهم في جعل سلوكيات الأبناء ممارسات تلقائية لا يحتاج معها الشاب أو الشابة للتذكير بأهمية أي قرار يتخذه في لحظة ما، وأثره عليه وعلى أسرته ومجتمعه. دارت كل هذه الأفكار في رأسي أخيرا، وأتوقع أنها هَمّ كل أم وأب، بالذات في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي أفلحت في صنع الشهرة للبشر على اختلاف أعمارهم، مع كل تصرّف أهوج يقدمون عليه. وسائل التواصل الكاشفة والمكشوفة -كما أسماها مثقفنا الجميل د. عبدالله الغذامي- جعلت الهدم سهلا جدا، فما ترعاه الأسرة بحكمة ومحبة لسنين، ربما تهدمه كبسة زر طائشة وغير محسوبة. هذه الكبسة لا يمكن التراجع عنها وعكس آثارها، حتى وإن تراجع الإنسان في اللحظة نفسها عن الشعور أو المسبب الذي جعله يقدم عليها. لنفترض أن‏ الأسرة ‏ناقشت مع الأبناء السلوكيات المتوقعة عند استخدام الإنترنت، وصمموا معا اتفاقية مشتركة للمقبول وغير المقبول في العالم الافتراضي؛ ماذا يفعل الأهل عند إساءة استخدام الإنترنت، كيف نتصرف مع الكبسة الخاطئة لزر الإرسال؟ لا شك أن عزل الأبناء عن كل المؤثرات الاجتماعية ووسائل التقنية أمر مستحيل منطقيا، بل أجده من غير المقبول اجتماعيا أن تنشئ الأسرة شابا أو شابة يعيشان خارج عصرهما تقنيا، فالشباب بحاجة إلى التواصل مع أقرانهم، ومعرفة ما يدور حولهم، وهذا شكل من أشكال حمايتهم من الاستغلال. كذلك من غير المنطقي، أن نتوقع من الأبناء تطبيق ما لم نعلّمهم إياه، أو أن نفترض فيهم معرفة كل هذه المخاطر، ومعرفة طريقة اجتنابها دون أن نغرس نبتة المعرفة ونرعاها. الحل، كما يخبرنا المختصون، هو في التقنين والتوعية المستمرة، وتوقع الأفضل مع الاستعداد للأسوأ. إذن، ماذا نفعل في حال حصل المحذور مع كل ما سبق؟ أعتقد أن القرار الأسلم ألا نخسر إيماننا بأبنائنا مع أول هفوة، مع الحرص على استيعابهم للدرس جيدا. علينا ألا نتوقف عن الغرس حتى وإن لم تظهر الثمار سريعا، فالنبتة الطيبة تثمر حتى لو تأخرت بعض الوقت. الأهم أن نحافظ على حبنا غير المشروط لأبنائنا، وأن نقول لهم بوضوح، إن انزعاجنا من التصرف لا يؤثر على محبتنا لهم. علينا أن نحاورهم بشفافية فيما حصل، ونحتويهم، ونقوّم تصرفاتهم بلطف وحزم أيضا، ولا نسلّمهم لقمة سائغة لأصدقاء المواقع الإلكترونية، لأن الشهرة الإلكترونية المؤقتة والزائفة قد تعطل قدرتهم على الرؤية وتقدير الأمور. كرر دائما على مسمع أبنائك أن ما يُرسل إلكترونيا لا يمكن محوه، وأن صفحاتهم الإلكترونية هي سيرتهم الذاتية للمستقبل. أخبرهم أن لكل شيءٍ حكمة، وأن الله سبحانه خلق الأرض كروية ليدرك الإنسان أن كل ما يرسله للأثير سيعود إليه يوما ما! ‫هناك حقيقة تغيب عن كثيرين، وهي أننا نعتقد خطأ أن الذكور أقل تعرضا للمضايقات الإلكترونية من الإناث! الحقيقة، حسب دراسة نشرت عام 2014، أن الحالات متقاربة، وأن ردّات فعل الذكور أعنف تجاه أنفسهم، بل ربما تصل إلى الانتحار، لا سمح الله، لأن المجتمع يتوقع منهم أن يكونوا أكثر قدرة على الاحتمال وتقدير الأمور، وهم قد لا يكونون جميعا على هذه الصورة.

مشاركة :