صفحة أخرى ترسّخ سعي التنظيمات الإرهابية إلى تجنيد النساء في مراكب الموت التي تصنعها إلى جانب المركب القتالي الرجالي المعتاد، فالأهمية أصبحت متوازية وتزيد عليها في سعي التنظيمات عامة إلى وضع المرأة في أولوية التخطيط لبلوغ الأهداف ومدّ الصفوف بكمّ من الأعداد في جحافله السوداء. لم يعد من السر أن البيئات النسائية تحمل فكرا مؤثرا في صميم العمل المتطرف، نظرا لخصوصية تلك المجتمعات، وعُرف مجتمعي بنقاء تلك الأسوار من معكرات الحياة، في ظل تصاعد الخطابات المتطرفة التي تموج بها وسائل التواصل بجميع أسمائها، واستغلت نهم الانسجام الديني للمجتمع النسائي في السعودية بحقن متطرفة تحاول استغلال ذلك ووضعه في منحى التجنيد الفكري. بالأمس، قصة تنتهي ببلاغ أمني من قبل أحد السعوديين، يحمي أسرة ممتدة، ويلفظ الشرور عن سبعة أطفال من الدخول إلى شرابيك الحياة، بعد أن اختطفتهم ثلاث شقيقات، هنّ أمهاتهم، أردن أن يكنّ فؤوسا لتحطيم أغصان حياتهم الصغرى قبل أن يتحولوا حطبا في نار الإرهاب. بيان المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، أوضح أن وحدة تلقي البلاغات الأمنية في وزارة الداخلية تلقت يوم الاثنين الماضي، الثامن من الشهر الحالي، بلاغًا من أحد المواطنين يفيد فيه مغادرة زوجته المملكة ومعها ثلاثة من أبنائهما (يبلغ عمر أكبرهم «10 سنوات»، فيما يبلغ عمر الأصغر «سنتين»)، ويرافقها اثنتان من شقيقاتها، إحداهما بمعيتها أربعة من أبنائها (أكبرهم يبلغ من العمر «6 سنوات»، وأصغرهم يبلغ من العمر «سنة»)، وذلك للالتحاق بمناطق الصراع، لكونهن يحملن الفكر التكفيري. تطرف بعباءات نسائية تنظيم داعش كشف عن الوجه الحقيقي في عقائد التطرف، فيما يتعلق بخصوصية المرأة، حيث استغلها بشكل كبير في التجنيد، ونشر آيديولوجيا الإرهاب، ومن ثم التفرد في الممارسة الإرهابية، لتكون علامة بارزة اليوم مع تعدد الأنباء القادمة من الشرق والغرب عن حضور المرأة الإرهابية في صميم الجرائم، فتنظيم داعش أعاد بناء عوالم النساء في هيكليتها بهدف ترسيخ النزعة المتشددة. النساء في خريطة «داعش» لهن من الوظائف النوعية الكثير، حيث يحاول التنظيم كسبهن بشعارات العودة لدور المرأة التقليدية في الإسلام، من مجرد أم وربة بيت إلى عاملة في زمن الحروب الدموية التي ينتهجها «داعش» على وجه الخصوص، كاسرا - «داعش» - التقليد الذي كان عبر تنظيم القاعدة في أن المرأة شريك غير معلن على الأغلب وإن اشتركا في الجرائم والفكر المتطرف. النزعة الأنثوية للإرهاب، كانت كذلك عبر تنظيم القاعدة، مع قصة انتقال التنظيم إلى اليمن، انطلقت معها قصة ظهور العناصر النسائية للقاعدة، بداية كمصادر تمويل، انتهجتها النساء القاعديات وكحاضن مهم لعناصر مجندة من التنظيم، كانت فيه المرأة غطاء وسدا لمحاولة حجب أعين الرقابة الأمنية عن أولئك المطلوبين، لكن قصة النساء بدأت في التطور خارج ذلك النسق، إلى التدريب وخلق البلبلة داخل المملكة عبر منصات إعلامية. وأشارت الدكتورة سمية الصافي، أستاذة علم الاجتماع، إلى أن سعي التنظيمات الإرهابية لتجنيد النساء هو بروباغندا في المقام الأول تريد إبراز نجاحها لاختراق المجتمع وهي ما تمنح أي تنظيم أو حقل اجتماعي دعاية في سبيل نشر آيديولوجيته، وكذلك كي يمنح المركزية في نشر تلك الأفكار المتطرفة في حقول شاملة أكثر من القوة الجسدية التي يمثلها الذكور. وأكدت الصافي، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن انضواء المرأة مع الدعوات المتطرفة، خصوصا في الأوساط النسائية يتم عبر خلق حالة من الانفصام مع الواقع تمر في قوالب دينية لتبرير منطلقاتها، مستغلة وسائل الاتصال الحديثة، مضيفة أن استراتيجية تنظيم داعش على سبيل المثال، ركزت على المرأة وجعلتها في هذا الإطار لقدرتها على التجنيد بشكل أكبر من الرجال وعلى جميع الفئات. نماذج من إرهاب النسوة أولى خطوات التنظيم في حشد العناصر النسائية، اختفاء السعودية وفاء اليحيى في 2005، وتسللها مع أبنائها إلى اليمن، ثم إلى دمشق، ووصلت إلى العراق، ووهبت نفسها إلى القتيل أبو مصعب الزرقاوي، قائد تنظيم القاعدة بالعراق، ويعتقد أنها قتلت هناك بعد سنوات، دون أن يعلن أحد عنها، غير الجهات الأمنية الذي أبلغت أسرتها بذلك، بعد أن قبضت على متورطين ساهموا في عملية نقلها، ثم لحقتها وفاء الشهري التي أعلنت النفير في عام 2010 وقد تزوجت لاحقا من نائب زعيم تنظيم القاعدة في اليمن سعيد الشهري. وأعطت الشهري إشارة بدء أولى عمليات التجنيد البشري للنساء، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ما لبثت أن انكشفت رفيقتها الأخرى في التنظيم هيلة القصير التي تلقب بـ«سيدة القاعدة» لديهم (والمحكوم عليها بخمسة عشر عاما)، عبر زوج وفاء الشهري الذي نادى في خطاب بعد خطاب زوجته إلى الخروج، والنيل من المسؤولين مقابل الإفراج عن هيلة القصير. وحكاية إرهابية أخرى هي أروى البغدادي التي تحمل انتقاما مزدوجا، واقتناعا فكريا، فهي زوجة الموقوف في السجون السعودية ياسين العمري، المتهم بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، وهي شقيقة لمحمد البغدادي الذي قُتل أثناء مواجهة مع قوات الأمن السعودية عام 2010 متنكرا بزي نسائي، بعد أن أدرجته الأجهزة الأمنية في قائمة المطلوبين، لتجنيده عددا من الشباب وإرسالهم إلى اليمن والعراق، وريما الجريش، ومي الطلق، وأمينة الراشد، وندى القحطاني، إضافة للمتهمتين الأخيرتين: عبير الحربي التي سهلت نقل حزام ناسف لاستهداف مسجد قوات الطوارئ الخاصة بأبها، أغسطس (آب) الماضي، والمتهمة، بنان عيسى هلال، التي كانت مختفية عن ذويها بمنزل أصدقاء زوجها الغائب في مواقع الإرهاب خارج السعودية. قنبلة أنثوية إرهابية، هي ريما الجريش، التي أعلنت أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2014 وصولها برفقة أبنائها الأربعة (مارية 14 عاما، وعبد العزيز 13 عاما، وسارا 8 أعوام، وعمار 6 أعوام) إلى سوريا، وانضمامهم لـ«داعش» بعد عام على انضمام ابنها الأكبر في سوريا، محاولة الترويج بالاعتصامات ونيل اسم (حقوقية) للإفراج عن زوجها محمد الهاملي، المقبوض عليه بتهمة الإرهاب، لتؤكد الأحداث أن مسيرتها ليست سلمية بل دموية تشترك في أهداف «داعش» اليوم، وقاعدة زوجها الهاملي بالأمس. ليس على مستوى الحياة السعودية، فالكويت شهدت فصولا من كتاب «داعش» وأمثاله، فالتفجير الذي طال مسجد الإمام الصادق ذي الغالبية الشيعية في يونيو (حزيران) العام الماضي، في العاصمة الكويتية أثناء صلاة الجمعة وخلّف ستة وعشرين قتيلا وأكثر من مائتي جريح، تمخضت بعده أحكام قضائية على المتورطين بتفجير مسجد الإمام الصادق، بالحكم على 15 شخصا، كان بينهم خمس نساء بالسجن ما بين عامين و15 عاما بتهم متعددة، بينها تقديم التدريب على السلاح والمساعدة على تنفيذ التفجير أو العلم بالتحضير للهجوم دون الإبلاغ عنه. كذلك جاء إعلان الداخلية الكويتية في أوائل يوليو (تموز) الماضي، بتوجيه ثلاث ضربات استباقية داخلية بإحباط عمل إرهابي والقبض على أحد العناصر المنتمين للتنظيم، ووقائية بضبط متهمين اثنين، شابا ووالدته، محققة نجاحا أمنيا فريدا، بعد أن اعترف المتهم بالجريمة الأولى الإرهابي طلال نايف رجا، (كويتي الجنسية مواليد 1998) بالتخطيط لجريمته لتنفيذ عمل إرهابي لتفجير أحد المساجد «الجعفرية» بمحافظة حولي، أواخر شهر رمضان أو خلال عيد الفطر المبارك، إضافة إلى أحد المنشآت التابعة لوزارة الداخلية الكويتية. كذلك كان الإجراء الوقائي بضبط وإحضار المتهم الإرهابي من الخارج ويدعى علي محمد عمر (مواليد 1988 كويتي الجنسية)، ووالدته المتهمة الإرهابية حصة عبد الله محمد، (كويتية الجنسية مواليد 1964) إلى جانب الطفل الذي أنجبه المتهم علي في سوريا من زوجته السورية بعد محاولات متكررة من قبل الأجهزة الأمنية الكويتية، إلى أن تكللت في النهاية بالنجاح رغم كثافة العمليات الإرهابية التي تشهدها المنطقة بين العراق وسوريا بضبطهم وإحضارهم للبلاد، وأقرّا في اعترافات كاملة عن انضمامهما لتنظيم داعش الإرهابي وبتحريض من الأم التي دفعت أولا بابنها الأصغر (عبد الله محمد عمر مواليـــد 1991)، لينضم إلى ذلك التنظيم حتى قتل بإحدى المعارك الإرهابية بالعراق. وفي حين تظل المعالجة الأمنية التي تكافح مظاهر وظواهر الأفكار المتطرفة؛ تتجه القضية إلى معرفة ماهية الجذور التي تتشرب منها شجرة «داعش» وغيرها في إسباغ رؤية واهية لمن يتعاطف مع تيارات الإسلام السياسي أن «داعش» هو المستقبل ومنه إحياء الخلافة التي حلم بها «الإخوان» ومن تبعهم حتى ظهر غول «داعش».
مشاركة :