باختصار تؤكد التقارير بأن نحو أكثر من مليون خبير عربي مختصّ من حـملة الشهادات العليا والفنيين المهرة، يعملون في الدول المتقدمة فتسهِـم جهودهم في تقدمها أكثر فأكثر، ويعمق رحيلهم عن الوطن العربي آثار ارتهانه للخبرات الأجنبية، هذا ما يذكره تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي للعام 2002. الذي يؤكد أن الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية في عقد السبعينيات فقط بلغت 11 مليار دولار، فيما يقدر الخبراء تلك الأضرار اليوم بأكثر من 200 مليار دولار. ولعل الدول الطاردة للمهارات تعتبر أن تعويض خسارتها البشرية قد يكون من خلال التحويلات النقدية للمهاجرين ونقل التكنولوجيا العائدة من خلالهم. والمفارقة الكبرى هي أن البلاد المصدرة لهجرة العقول تضطر لاستيراد الخبراء الأجانب بعقود باهظة بدلا من أبنائها المؤهلين الذين لم يجدوا لهم مستقراً فيها. أوضحت دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، أن العديد من الدول المتقدمة تشجع العقول والأدمغة العربية، مثل قرار أصدره الكونغرس الأمريكي برفع عدد بطاقات الإقامة للمتخرجين الأجانب في مجال التكنولوجيا المتطورة من 90 ألفاً في السنة إلى 150 ألفاً، ثم إلى 210 آلاف. وأشارت الدراسة إلى أن حوالى 60% ممن درسوا في الولايات المتحدة خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، و50% ممن درسوا في فرنسا، لم يعودوا إلى بلادهم. وهكذا كما ترى فإننا في عالمنا العربي، وبدون استثناء نقوم بطرد الكفاءات لنستقدم من هو أقل منهم كفاءة بينما هم في الغرب يفعلون عكس ذلك، وتتجلى خطورة هذا الوضع على الوطن العربي، في كون هؤلاء يعملون في أهم العلوم الاستراتيجية، مثل الطب النووي والفيزياء النووية والهندسة النووية والهندسة الوراثية والهندسة الإلكترونية والمايكرو إلكترونية والجراحات الدقيقة والعلاج بالإشعاع وعلوم الليزر وتكنولوجيا الأنسجة وعلوم الفضاء والمايكرو بيولوجيا. كثيرة هي أسباب هذا النزيف في عقولنا وعلى رأسها يأتي عدم احترام العلم والعلماء والاستخفاف بهم وعدم توفر بيئة مناسبة للبحث العلمي والإبداع، إضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث العلمي، وعدم توافر فرص العمل المتاحة للتخصصات النوعية، كل ذلك يؤدي إلى استمرار نزيف الهجرة. ومن أسباب الهجرة أيضاً، ضعف مراكز البحث العلمي (انخفاض ميزانية البحث العلمي، 0.3%) فضلا عن عدم وصول المجتمع العربي إلى مرحلة الربط بين النشاط العلمي والتكنولوجي من جهة أولى واحتياجات المجتمع من جهة ثانية كما يقول التقرير المذكور آنفا.
مشاركة :