بعد تحقيق فوز كاسح على منافسيه الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية لنيل ترشيح الحزب، يمر دونالد ترامب بمرحلة من الشكوك مع تراجع نسبة التأييد له في الحملة الوطنية للانتخابات الرئاسية الأميركية. وازاء التقدم الكبير الذي تحققه المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون عليه في استطلاعات الرأي، قال ترامب الخميس في كلمة ألقاها أمام حضور من القساوسة «غالباً ما أمازح بالقول أنه حتى لو كنتم مرضى، ولو كان تشخيص حالتكم هو اسوأ تشخيص يمكن أن يصدر عن طبيب، وكنتم في الفراش ولا تعرفون إن كنتم ستنجون، عليكم رغم ذلك أن تنهضوا في 8 نوفمبر وتذهبوا للإدلاء بأصواتكم». وحض الحضور تسع مرات خلال خطابه على تعميم هذه الدعوة على رعياتهم حتى يصوتوا جميعاً له في الانتخابات الرئاسية. ولم يعد المرشح الجمهوري للبيت الأبيض يخفي شكوكه بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية، كما أن فريقه لا يدري كيف يمكنه تعديل نهج الحملة الذي قاده إلى الانتصار في الانتخابات التمهيدية، للتماشي مع انتقال الحملة إلى المستوى الوطني. وكان الملياردير الشعبوي تجاهل خلال حملة الانتخابات التمهيدية في 2015 و2016 آراء الخبراء والمراقبين الذين كانوا يحضونه على تبني سلوك جدير بالرئاسة والتوقف عن شتم خصومه والبدء بكتابة خطاباته والالتزام بنصها بدل الارتجال، غير أن استراتيجيته الخارجة عن المألوف فاجأت الجميع وحققت له النصر. ومنذ أن أصبح المرشح الرسمي للحزب الجمهوري، بات يلقي في بعض الأحيان وبناءً على اصرار مستشاريه، خطابات تنطوي على مضمون وتتناول مسائل أساسية، يتبع فيها النص المكتوب، لكنه لا يزال يرتكب بصورة شبه يومية هفوات واستفزازات وتجاوزات سواء مقصودة أو غير مقصودة، حول جملة من المواضيع مثل روسيا والأسلحة وتنظيم داعش، أو حتى هجومه على والدي جندي أميركي مسلم قتل في المعركة في العراق. وقال ترامب لمجلة «تايم» الثلاثاء «لا أحب التغيير، لكن هذا ما فعلت، سوف نرى إلى أين سيقودني ذلك». وإذ لا يزال يتردد بين النهجين، يبقى ترامب عاجزاً عن توضيح استراتيجيته الانتخابية، وحين تطرح عليه أسئلة، يعتمد على حدسه في الرد، كما أنه يشتت جهوده جغرافياً، فيعقد مهرجانات انتخابية في مناطق لا يمكنه الفوز بها. رسائل يستند ترامب في حملته إلى أربع رسائل باتت معروفة من الجميع: بناء جدار على الحدود مع المكسيك، والحد من الهجرة، والقضاء على تنظيم داعش وإعادة الوظائف الصناعية التي انتقلت إلى الخارج. لكن الفوز بالانتخابات الرئاسية لطالما تطلب تاريخياً أكثر من شعارات. في المقابل، وضع فريق هيلاري كلينتون استراتيجية مفصلة لتعزيز قاعدتها بين الناخبين السود والمتحدرين من أميركا اللاتينية، واستعادة ثقة العمال البيض في ولايات أساسية مثل بنسيلفانيا واوهايو، يمكن أن تحسم نتيجة الانتخابات. وعملاً بهذه الاستراتيجية، أقام فريق حملة كلينتون أجهزة محلية مع فتح مكاتب انتخابية ونشر موظفين ومتطوعين. كما تعتمد الحملة الانتخابية على الإعلام والتواصل مع الناخبين عبر الإعلانات، وذكرت شبكة «ايه بي سي» أن الفريق الديموقراطي أنفق حوالى 93 مليون دولار على الإعلانات التلفزيونية، مقابل 11 مليوناً فقط من جانب فريق ترامب، ولم تنفق لجنة الحملة الرسمية للمرشح الجمهوري حتى الآن أي مبالغ على الإعلانات التلفزيونية، وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. ولا يزال ترامب يتصرف وكأنه يتوجه إلى جمهور الانتخابات التمهيدية الذي لا يتعدى 31 مليون ناخب، في حين أن حوالي 130 مليون أميركي صوتوا في الانتخابات الرئاسية عام 2012، ولم يتأكد حتى الآن الانتقال الكبير لناخبي الطبقات الشعبية الذي يراهن عليه لتوسيع صفوف مؤيديه. وقال كريستوفر فليزن الأستاذ في جامعة تكساس في مدينة اوستن «لم يعد هناك الكثير من الوقت»، وعلّق على أسلوب ترامب الذي لا يمكن التكهن به والذي غالباً ما يتم التعويل عليه لتوقع تقدم مفاجئ له في سبتمبر، فقال «هذا قد يساعده كما أنه قد لا يساعده، لا أحد يدري، لكن على ضوء وقائع الأسبوعين الأخيرين، يبدو أن تأثيره يميل أكثر إلى السلبية». فرجل الأعمال لم يتراجع فحسب في استطلاعات الرأي الوطنية (40% مقابل 48% لكلينتون بحسب استطلاع «هاف بوست»)، بل هو في خطر في ولايات أساسية غالباً ما أتاحت للمرشحين الجمهوريين حسم السباق لصالحهم. وكشف استطلاعان للرأي جديدان أجرتهما صحيفة «وول ستريت جورنال» وشبكة «ان بي سي» تقدم كلينتون عليه في كولورادو وفلوريدا وكارولاينا الشمالية وفرجينيا. وتجري الانتخابات الرئاسية الأميركية بالاقتراع غير المباشر من قبل هيئة ناخبة، وتوقع خبراء نشرة «ساباتوز كريستال بول» في جامعة فرجينيا فوزاً سهلاً لكلينتون بأصوات 347 من كبار الناخبين، مقابل 191 لترامب. وأوضح كايل كونديك رئيس تحرير النشرة «ترامب متأخر، والخيارات تنحسر أمامه للتعويض عن تأخيره». وازاء إمكانية هزيمته، تبنى المرشح الجمهوري موقفاً غير مكترث. وقال ترامب خلال مقابلة «سأواصل القيام بما أقوم به، وفي نهاية الأمر، إما أن ينجح الأمر، وإما أن أخذ عطلة طويلة ممتعة».
مشاركة :