الشيء العميق في أسطورة زرقاء اليمامة ــــ وهي شخصية تاريخية حقيقية ــــ أنها قالت الحقيقة، فرأى قومها أن هذه الحقيقة أقرب للمستحيل الناتج عن الخلط أو الخرف أو ذهاب البصر والبصيرة. لكن حاكي الأسطورة يقول إن ما حذرت منه زرقاء اليمامة قد حصل. نقص المعلومة أو عدم الاعتداد بها، يفضي إلى أخذ قرارات قاصمة. كثير من الأدباء المعاصرين حاولوا استدعاء زرقاء اليمامة من خلال المسرح والدراما بشكل عام، وكذلك من خلال الشعر. وتبقى قصيدة أمل دنقل البكاء "بين يدي زرقاء اليمامة"، شكلا من أشكال التعبير عن الخيبة التي أصابت العرب بعد النكسة في 1967. هناك حاجة ماسة إلى استحضار بصيرة زرقاء اليمامة، وسط ظروف تبدو فيها الخريطة شديدة الغموض. الرؤية لا يمكن أن تسيرها العاطفة وحدها. ولا يمكن التعويل على الذكاء وحده. ولا الرهان على القوة بمفردها. يبدو أن مفترق الطرق، يزدحم بسلسلة خيارات قد تتصادم أحيانا مع المنطق. لكن من المؤكد أن هناك منطقا جديدا تصوغه متغيرات عدة، تجعل الأمر بحاجة إلى التناغم بين ألوان طيف قوس قزح الذي يتشكل عقب الأمطار والرعود. البحث عن زرقاء اليمامة، الذكر والأنثى، يعني إنشاء مزيد من مراكز التفكير والدراسات الاستراتيجية. لا يمكن فهم غياب تشجيع إنشاء مراكز الدراسات والأبحاث عربيا وخليجيا ومحليا. هذا الأمر جعل الرؤية تصوغها مراكز خارجية، مع صبغها بصبغة محلية. إذا استثنينا محليا تجربة مركز الملك فيصل، لا يمكن التعويل على أي تجربة بحثية محلية أخرى تستشرف الآفاق. حتى ما تنتجه الجامعات التي تزيد على الـ 30 يعتبر فقيرا وضحلا جدا. إننا نغرق في بحر من المعلومات غير الدقيقة، والقراءات الإنشائية، .. لا يكاد يوجد رقم واحد متفق عليه لا فيما يخص العمالة النظامية ـــ مثلا ــــ ولا العمالة المخالفة ونوعياتها. الأمر نفسه ينسحب على أرقام وطنية أخرى. وكذلك المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية. استمرار هذا الأمر يجعل الخطط متعثرة. وبالتالي يغدو الحديث عن أزمة المرور منذ عشرات السنين وعن ضعف البنية التحتية وعن نقص الخدمات ... إلخ. ناهيك عن أننا نفاجأ بشكل مستمر أن مطاراتنا ومستشفياتنا أصبحت إمكاناتها لا تتجاوب مع الحاجات الفعلية. هناك أمور أخرى أعمق، نحن نجهلها.
مشاركة :