أحاديث الهوى للكاتبة هدى المقاطع

  • 8/15/2016
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

ترصد الكاتبة هدى المقاطع عبر كتاباتها «أحاديث الهوى» أحلاماً وردية لعاشقين بددتها آلة الحرب التي تقهر الإنسان وتدمر العمران وتحصد الأرواح وتسفك الدماء، أسوار الواقع تحجز أحلام هدى في مخيلتها في حين هي تركض خلفها. أُحْدوثة١: حينما يجيب بلهفة على الهاتف بكلمة «حبيبي» بدلاً من « ألو»، وعندما تصلني رسالة حب عبر البحار يبوح فيها: نم يا حبيبي عليك ضفائر روحي عليك السلام.. هكذا كتبها درويش وغناها مارسيل وعشتها أنا. حين اكتشفت هذا الرجل ووجدته ساحراً لم أكن أتصور ما سيتبع ذلك من عواطف قاتلة.  أُحدوثة٢: كان رساماً خرافيا وكانت هي مولعة بالفن، غامرت ذات مرة وسافرت الى مدينته والحرب على أشدها.. «الانسان شبيه بيئته»، قالتها بانبهار وهي تتطلع الى كمية اللون الأخضر الهائل الذي يحيط بالبيت/المرسم.. تمتمت في سرها: «أخضر كقلبه»، يقع البيت فوق جبل يطل على شريط ساحلي طويل حاضناً أهم وأكبر مرافئ البلاد، بالإضافة لتنوع الشاطئ تنوعاً فريدا بين صخور بركانية في جهة ورمال ناعمة في الجهة الاخرى، يحيط خصرها النحيل بكلتا يديه.. يحملها ويضعها على منضدة وسط محترفه يميل بالقرب من وجهها ويهمس في أذنها «أنجزت لوحة»  وجهها ساكن، تلمحه من طرف عينيها وابتسامة شفيفة تعلوه: هل تختلف عن اللوحات السابقة؟  يجيب: أنثى تشع نوراً.. هي منكِ وأنتِ منها هي: «أنت شاعر أيضاً» يبتعد قليلا عنها ويرد بأنفة: لست شاعراً.. أنا رسّام لكني اكتب كي لا أموت. تصدر عنها ضحكة، وتميل برأسها غنجاً: إمم.. تكتب لكي لا تموت! .. جلجامش الآخر أنت؟!  تطفو على وجهه ابتسامة: صار جلجامش يتلبسنا  يغافلها بسؤال لا يخطر في البال: متى تكتبين؟  عقدت حاجبيها دهشةً.. ثم بدأت بالابتسام: أصنف نفسي قارئة شغوفة للمعرفة.   « أعرف.. متى تكتبين؟» نزلت من على الطاولة برشاقة: أتمنى أن اكتب، فأنا أيضا يقلقني الموت ومفتونة بالخلود.  بانت/سيطرت على وجهه جدّية مفاجئة، يشوب صوته حزنٌ عميق: - وجودي وسط صدى المدافع وتحت أزيز الطائرات الحربية، جعل للخلود معنى آخر عندي.. الخلود بالنسبة لي.. هو نقاء اللحظة.. هو المحبة بلا تعسف.. هو القلق على جمالنا وكيف نقاوم العطب في أرواحنا، كيف نساعد ذلك الإنسان فينا وفي الآخر بأن يحيا بسلام ولا يموت بمجانية! المجانية أمقتها.. أكره الحروب والدمار.. وتخيفني فكرة موتي على يد انتحاري جاهل..  أحدوثة ٣: حرارة تحديق أعين الرجال توخز ظهرها دون أن تلتفت أو يهتز جسدها تمشي في أروقة معرض الكتاب بهداوة متفحصة عناوين الكتب.. توقفت عند دار نشر بعدما رأت/ لمحت صديقها الكتبي يثرثر مع رجل آخر.  لم تكن عناوين الكتب ومؤلفوها تجذب انتباهها فحسب فأحيانا كثيرة تقع في غرام تصميم غلاف كتاب متقن..  كانت تمسك بكتاب تقرأ ما بخلفه عندما أتاها صوت أليف على أذنيها يقول اعتزازاً: «الأغلفة كلها من تصميمه كلها لوحاته»  كان صديقها الكتبي يشير الى الرجل معنياً/ يعنيه في الْكَلام، رفعت عينيها ونظرت إليه لأول مرة.   لا تدري ما الذي جذبها فيه أولاً، رزانة كلامه أم رجاحة عقله أو.. ربما لون عينيه! ولكن الشيء الوحيد الذي باستطاعتها الجزم فيه، انه رجل استثنائي.. حبنا كان استثنائياً.. هو ركين جداً وأنا مغامرة جداً.. هو يحب الهدوء والانزواء.. وأنا مشتعلة.. مشاكسة.. وبرغم ذلك انسجمنا.. فالمحبة كيمياء خطيرة.. والغرام قاتل. أحدوثة٤: عندما رحل أخذ نصف القلب معه.. تركها بنصف آخر عليل.. تأتيها رسائله معز بين الحين والآخر.. مغايرة لما يعيشه.. فالحرب ضارية لا ترحم، وهي تعلم أن بيته يقع في منطقة خطرة بالقرب من منشآت عسكرية مما يضطره أن يسلك عدة طرق مختلفة كي يصل إلى عمله أو الى اي مكان آخر «مساؤك  غرام أنا في الطريق قمر الليل يسألني عنك نشواناً أية خمرة سقيته كي يصير يشبهك هكذا؟!  ها أنا ألتحم فيه ونمارس الحب سكارى.  أفتقدكِ»  أحدوثة ٥: في رحلتها تلك، تعلمت منه الكثير عن تاريخ مدينته العريق وغِناها بالمواقع الأثرية بالإضافة الى مناخها المعتدل وتضاريس أرضها الخلابة. حين رافقها الى رحلة سياحية لمنطقة يقولون إنها شهدت ظهور الأبجدية الأولى.  تقف أمام صرح أثري عَظِيم.. تسحب نفسا عميقاً.. تملأ رئتيها بهواء نقي.. تفتح ذراعيها.. وتقول: وددت لو ينبت لي جناحان وأصير حَمَامَة.. مالَ بوجهه إليها مستفهماً: «حمامة!؟ بإمكان أي صقر أن ينقضّ عليك بسهولة..» يضع عينه في عينها ويبتسم مستطرداً: «أنتِ طائرٌ سحري من مملكة سيدنا سليمان..» تصدر منها ضحكة رائقة.. تناوله الهاتف المحمول.. تتخذ وضعية للتصوير.. تبتسم. أحدوثة ٦: جالسة على المقعد الأمامي في السيارة، تحدّث نفسها: اليوم ماطر.. تساءلت وأضافت: كيف للمطر أن يوقظ مارد الحنين فينا؟! الهاتف المحمول في حجرها.. تتحرى أذنها الرنة التي أصبحت عزيزة لا تسمعها الا نادراً.. تتداعى لمخيلتها الصورة التي ألتقطها لها امام القلعة/ الصرح العظيم قبل سنوات.. في ذلك اليوم لم تكتف بالوقوف أمامه فدفعها فضولها لتسلق سلم متهالك لبقايا سُور الصرح العالي ولم تقف تنورتها القصيرة عائقاً، فرأت في الجهة الأخرى تحتها امرأة مسنة تخرج من خيمة صغيرة تحمل قدر طعام وخلفها حبل يتدلى بين شجرتين يحمل/مثقل بـ غسيل منشور، «مهجرون! لابد أن تكون تبعات الحرب القذرة»، حينها تفاجأت بوجود شاب يبعد عنها عدة أمتار توارى خلف شجرة ويده تهتز وسط جسده الهزيل غارق في الرغبة.. لا تدري لماذا لم تشح بصرها حينها.. واستمرت تتفرج حتى عندما حانت من الشاب التفاتة ولم يلقِ بالا لها مستمراً في الوصول الى مبتغاه محدقاً فيها.   تعيدها ضحكتها الى السيارة وتدندن / اغنية لفيروز: تبدو كأن تراني.. وملء عينك عيني.. ومثل فعلك فعلي.. وَيلي من الأحمقين.  أحدوثة ٧: حبات المطر أشبه بلوحة سيريالية رسمتها ريشة/دموع السماء على زجاج السيارة الأمامي.. توهم الناظر بالرحيل فيها لعدة أزمان وعصور.. أزمان بعدد قطرات المطر لكل قطرة حدث وتاريخ تتيهُ فيه الكلمات من الذاكرة.. يغيم وعيها في المشهد أكثر..  تتوهم صوته «لا أريد أن أموت على يد جهادي أرعن» يتبعه صوت رسالة قادم من الهاتف فتومض/تضيء الروح.. تقرأ:  ١٩/٢/٢٠١٢ الساعة ٨:٣٧ م «أعرف امرأة  أشعلت فيّ الرجل العاشق الذي طويتهُ كثيراً   حين تضرعتُ في محرابها أصلي صلاة جوى أن تغفر لي وتهتف:  تعال يا ساحري..» بينما الفرحة منشغلة بإطفاء حريق الانتظار بداخلها.. غفلت عن تاريخ الرسالة الذي يشير الى سنتين قبل الآن. مشهدية تصويرية تقدم الكاتبة هدى المقاطع عبر هذا النص سبع متواليات قصصية مطرزة بعبارة شعرية رشيقة، وأحداث متتابعة تجذبك بمشهدية تصويرية بارعة، وتشويق على مستوى الحدث وترابط أجزائه (إسماعيل فهد إسماعيل).

مشاركة :