ما إن انتهت هذه التجربة منتصف الثمانينات الميلادية، واصلت كتابة زاويتي "أصوات" حتى اضطرمت منطقة الخليج العربي، بحربيها الضروستين بين إيران والعراق، لتنتهي بغزو صدام حسين دولة الكويت 1991. حيث انطلقت حركة الإعلام الفضائي عبر محطة Mbc في لندن. فذهبت معاراً إليها.. علليني يا ابنة الدوح فلي بحماك اليوم ظل وظليل طارحيني بهديل طاب لي فلقد أعجبني منك الهديل خل يا سعد أحاديث الهوى اطرحها فلها شرح يطول * نعم يطول يا سعد! وقد طلبت مني الإطلالة من شرفة منزلي القديم. فمنذ يفاعة الصبا وغرارة الشباب، كنت أتصفح تلك الورقات الصفر، لكن يلمع بين سطور حروفها وميض مشع! منذ وضع الشيخ حمد الجاسر لبنات مجلة اليمامة، أول إصدار صحفي في العاصمة، منتصف الخمسينات الميلادية من القرن المنصرم، يساعده في كتابة مقالاتها، والإشراف على طباعتها مبتدأ الإصدار في القاهرة - إذاك - نفر من طلبة جامعتها، المبتعثون للدراسة الجامعية في بعض كلياتها، ممن تخرجوا فيها فأصبحوا إثره مديرين ووكلاء وزارات ووزراء، بعد أول تشكل أول وزارة في المملكة، بعد رحيل مؤسسها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. ومنذ تحولت "اليمامة" المجلة إلى صحيفة غدت بعد ذلك باسم "الرياض"، وهي في علاقة تفاعلية مع المجتمع السعودي فالعربي والإقليمي والدولي، يتداول قضاياها نخبة سعودية، ممن تخصص أفرادها في علوم نظرية وتطبيقية في جامعات العالم، بين دول أوروبا وأميركا. لذلك كان لصفحة الرأي في "الرياض" دور تنويري مؤثر، وهي تفتح صفحاتها لكل ذي قلم نبيغ. حين قدمت من القطيف إلى الرياض للدراسة في كلية آداب جامعتها، سنة اشتعال الصراع العربي - الإسرائيلي في حربهما الثالثة، وهي سنة العبور المرتد بثغرة الدفرسوار! في حرب أكتوبر 73. كنت أتردد على مقر جريدة "الرياض" في مبنى ابن ثنيان بحي المرقب، متعلقاً بما كان ينشر فوق صفحات ملحقها الأدبي، من نصوص شعرية وكتابات نقدية، مواكبة لحركة الأدب الجديد في مراكز الثقافة العربية، بين القاهرة وبيروت وبغداد. فإن أسماء عمالقتها كانت حينها ما تزال ماثلة في رؤوس جيل السبعينات. توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوي وصلاح عبدالصبور وحسين فوزي وزكي نجيب محمود ورجاء النقاش وغالي شكري في القاهرة. وفي بيروت ودمشق فؤاد الخشن ونزار قباني وأدونيس ويوسف الخال وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وسهيل إدريس وليلى بعلبكي وليلى عسيران وغادة السمان وحنا مينه وفايز خضور وحسام الخطيب. وفي بغداد جبرا إبراهيم جبرا وبلند الحيدري وعبدالوهاب البياتي وعبد الجبار البصري وعبدالواحد لؤلؤة. لذلك وجدتني في صيف 1974 أغامر برحلة صحفية على حسابي! لزيارة القاهرة، وكنت طالبًا جامعيًا ومراسلاً لجريدة اليوم، وكان مقصودي مقابلة توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وبقية الأسماء اللامعة التي استقطبها محمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة الأهرام، إلى الكتابة فيها يمينًا ويسارًا، إبان اشتداد الحرب الباردة - وقتذاك - بين الجبارين (الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي). بعدما وصلت القاهرة في يوم قائظ، صدمتني زحمة قاطنيها، وبعضهم أراه متعلقاً بالباصات والقاطرات. بينما بهرني نهر النيل الأزرق وهو يمتد بالقاهرة من أقصاها إلى أدناها. ورحت من فوري أتصل بمأمور سنترال جريدة الأهرام، متسائلاً عن مكنتي زيارة الأديبين الكبيرين، غير أنه أخبرني بأنهما يقضيان فصل الصيف على الشاطئ الإسكندري. ومن فوري ذهبت إلى هناك. لأمثل أمام توفيق الحكيم في كازينو بترو اليوناني، في نهاية الكورنيش عند محطة سيدي جابر. وفي يوم تالٍ مستجيبًا لدعوة الحكيم حضور منتداه اليومي، وجدتني أمام حسين فوزي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وعبدالرحمن الشرقاوي وجمال الغيطاني ويحيى الطاهر عبدالله ويوسف القعيد وعبدالرحمن أبوعوف. وفي القاهرة توثقت علاقتي بالشاعر الصعلوك المتمرد أمل دنقل، مترددًا عليه في مقهى ريش، متناكفاً معه حيث كنت أتعاطف مع مقابله الشاعر الأنيق الحساس محمد إبراهيم أبو سنة. وإذ تنتهي معاركي العاصفة مع أمل بسهرة كباب حاتي في شقتي، فإنه ينام بعدها عندي. وكأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه!! ما إن عدت إلى الرياض وقد قضيت شهري يوليو وأغسطس، مداوماً يوميًا على حضور منتدى الحكيم، الملتهب وقتها بحواراته مع اليسار المصري، إثر صدور كتابه "عودة الوعي" الصاعق للناصريين. الذي رد عليه محمد عودة بكتابه "الوعي المفقود" كان الزميل الأستاذ تركي السديري، قد أصبح رئيساً لتحرير الجريدة، بعد سنوات قضاها محرراً رياضياً وسكرتيراً للتحرير، إبان رئاسة الأستاذ أحمد الهوشان، ومديرية التحرير للأستاذ محمد العجيان، في الوقت الذي أصبح فيه الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير الداخلية، نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء قبل أن يصبح ملكاً. في ذلك الوقت أخريات عهد الملك فيصل، كان الأستاذ محمد الشدي رئيس تحرير مجلة اليمامة، قد أتاح أمامي فرصة النشر فوق صفحاتها. لذلك كنت أنوي نشر حصيلتي المصرية من مقابلات أدبية فيها. إلا أن تركي اصطادني حين علم بمحصولي. وهو يطلب مني في مكالمة تليفونية، تسليم مقابلاتي إلى الأستاذ عبدالله الماجد لنشرها في الملحق الأدبي. وقد عينني تركي مساعدًا له. ولم ينته ذلك إلا بتعييني مشرفًا على صفحات ملحق "الرياض" الأدبي، بعد انتقال الجريدة من مكاتبها المتواضعة في مطابع حي المرقب، سنة 1975 إلى مبناها الجديد، الواقع بين نهاية شارع الستين وبداية طريق خريص. لأغدوا كاتبًا في زاوية "رؤية" التي اتخذت لها اسم "أصوات" لتستمر حتى قبل توقفي عن الكتابة منذ سنوات قليلة، وكذلك مشرف على صفحات الرأي "حروف وأفكار" مستنهضاً للكتابة فيها وفي الملحق الأدبي أساتذتي وأصدقائي. ومنهم الدكاترة أحمد الضبيب ومنصور الحازمي ومحمد الشامخ وعزت خطاب وعلي جاد وسعد البازعي وأسامة عبدالرحمن وعبدالله الغذامي وقد نشرت له سلسلة مقالات رده على د. إبراهيم الفوزان، مصححاً أسبقية السياب على نازك الملائكة في ريادة قصيدة التفعيلة. وغيرهم من كتاب سعوديين. وفي سنة 1982 ارتأى أ. تركي السديري الإشراف على إصدار "الرياض الأسبوعي" بمشاركة الزميل العريق الشاعر سعد الحميدين. وفيها قمت باستكتاب أساتذتي في الجامعة، فإضافة إلى من ذكرتهم، انضم إلى قافلة كتاب الإصدار الأسبوعي الدكاترة المصريون شكري محمد عياد وحسن ظاظا وعبدالوهاب المسيري، والأصدقاء. الناقد كمال حمدي والروائيون جمال الغيطاني ويوسف القعيد ومحمد البساطي والقاص سعيد الكفراوي والشاعر أمجد توفيق. ومن لبنان الشاعر محمد علي شمس الدين. ومن تونس الكاتب المسرحي عزالدين المدني. ومن المغرب الروائي والصحفي والكاتب السياسي عبدالكريم غلاب. ومن العراق تمكنت ذات مرة واحدة من استكتاب الصحفي الأديب العراقي الشهير جعفر الخليلي قبل رحيله بأسابيع، وآخرين. وما إن انتهت هذه التجربة منتصف الثمانينات الميلادية، واصلت كتابة زاويتي "أصوات" حتى اضطرمت منطقة الخليج العربي، بحربيها الضروستين بين إيران والعراق، لتنتهي بغزو صدام حسين دولة الكويت 1991. حيث انطلقت حركة الإعلام الفضائي عبر محطة Mbc في لندن. فذهبت معاراً إليها لتقديم برنامجي التلفزيونيين "هذا هو" و"مواجهة مع العصر" ابتداء من سنة 1993 إلى سنة إلى 1997 لأعود بعدها كاتباً يومياً في زاوية "أصوات" حتى سنة 2005 بتشرفي الانضمام إلى مجلس الشورى عضواً فيه اثني عشر عاماً لدورات ثلاث.هذه الأبيات من قصيدة للشاعر العراقي جعفر نقدي تنويه: تمت إعادة نشر المقال لورود أخطاء في عدد أمس الثلاثاء
مشاركة :