يعتبر كثيرون أن القمر يؤثر في صحتنا، فيطلق المخاض، ويبدّل المزاج، ويؤدي إلى اضطرابات في النوم. لذلك قررنا تفحص الدراسات العلمية بغية تحديد ما إذا كانت هذه الافتراضات صحيحة أم لا. يحفّز القمر البدر نمو الشعر، سبب هذا الاعتقاد: إنه الاعتقادَ الأكثر شيوعاً في هذا المجال. إذا رغبت في شعر أقوى، أجمل، وأطول، يكفي أن تقصه في أمسية يكون القمر فيها بدراً. يستند هذا الافتراض إلى ظاهرة فلكية معروفة: يمارس القمر قوة جذب على الكرة الأرضية تؤدي، مثلاً، إلى حركة المد والجذر. نتيجة لذلك، يؤثر القمر على الأرجح في الماء في جسمنا. وهكذا، عندما يكون القمر بدراً، يعزز دورتنا الدموية، فتحصل جذور شعرنا (التي يغذيها عدد من الأوعية الدموية الدقيقة) على وفرة من الغذاء ونفوز بشعر ناعم وأكثر قوة. الواقع: صحيح أن القمر يؤثر في المحيطات، إلا أن قوانين الفيزياء تحول دون تطبيق هذا التأثير على مقياس صغير. ويعني ذلك أن لا تأثير له في الماء بجسمنا. ويجب ألا ننسى أن القمر يدور على بعد 400 ألف كيلومتر عن اليابسة حيث نقف. يعزّز رغبتنا الجنسية سبب هذا الاعتقاد: بدأ هذا الافتراض مع دراسة نشرها موقع التعارف SmartDate عام 2011، وأشارت إلى أن البدر يعزز نشاطنا الجنسي ويزيد رغبتنا في الإغراء. صحيح أن هذا البحث لا يتمتع بمصداقية عالية، إلا أنه كان كافياً لبث روح جديدة في هذه الإشاعة القديمة. الواقع: مع أن الدراسات التي تتناول هذا الموضوع محدودة، حاول باحثون أميركيون التوصّل إلى رابط بين البدر ونشاطاتنا الحميمة. يرتكز التقرير، الذي نشروه عام 1982 في المجلة العلمية Human Biology، على مراقبة 78 ثنائياً طوال عام. فما كانت النتيجة؟ لم تشهد الأمسيات، التي كان فيها القمر بدراً، أي تبدل في العلاقات الحميمة. صحيح أن القمر لا تأثير له في رغباتنا، إلا أن نهايات الأسابيع تؤدي دوراً كبيراً في هذا المجال. كشفت الدراسة أن الأزواج يمارسون العلاقات الحميمة يوم الأحد أكثر من أي يوم آخر في الأسبوع. إذاً، يُعتبر تأثير أيام الراحة أكبر من القمر البدر. لا ننعم بنوم هانئ في الليالي التي يكون فيها القمر بدراً سبب هذا الاعتقاد: في شهر يوليو عام 2013، شهد العالم العلمي صاعقة مدوية. أظهرت دراسة سويسرية نُشرت في المجلة العلمية العالية المصداقية Current Biology أن للبدر تأثيراً كبيراً في نوعية نومنا: عندما يكون القمر بدراً، نحتاج إلى خمس دقائق إضافية لنغفو وتقصر فترة نومنا بنحو 20 دقيقة. لكن المشكلة تكمن في أن الدراسة اقتصرت على 33 شخصاً. ولا شك في أن هذا العدد قليل للتوصل إلى أي خلاصة، مهما كانت. الواقع: أراد باحثون ألمان التحقق من مدى صحة هذه الفرضية، فأجروا دراسة واسعة: حللوا نوم 1265 شخصاً طوال 2097 ليلة، أي ما يعادل خمس سنوات. فما كانت النتيجة؟ ما من علاقة بين مراحل القمر المختلفة ونوعية نومنا. يزيدنا القمر البدر قلقاً سبب هذا الاعتقاد: يسود الاعتقاد أن معدلات الانتحار ترتفع في الليالي التي يكون فيها القمر بدراً. لماذا؟ إما بسبب ضوء القمر القوي أو جاذبية القمر، وفق البعض. لكن استطلاع رأي أجري عام 1987 أظهر أن %64 من الأطباء و%80 من الممرضين في غرف الطوارئ يظنون أن هذه الفترات من الشهر تكون أكثر سوءاً، ما يزيد تعرض الإنسان للخطر. الواقع: في عام 2012، تعمّقت دراسة، نُشرت في مجلة General Hospital Psychiatry، بهذه المسألة فقارنت بيانات مستشفيين كنديين بين عامَي 2005 و2008. لاحظ العلماء أن متوسط عدد الحالات التي تدخل المستشفى بسبب اضطرابات نفسية (نوبات قلق، أفكار انتحارية...) بلغ 190 حالة عندما كان القمر بدراً. في المقابل، ارتفع العدد إلى 192 حين كان هلالاً وتراجع إلى 170 في الربعين. إذاً، لا تحمل هذه الاختلافات أي أهمية. كثرة الولادات عندما يكون القمر بدراً سبب الاعتقاد: في 22 يوليو عام 2013، بعد 11 ساعة من المخاض، ولدت كايت ميدلتون، زوجة الأمير وليام، الأمير الصغير جورج. صرّحت عند خروجها من قسم الولادة: «أنجبتُ في ليلة بدر. كان عددنا كبيراً في تلك الليلة. عانت القابلات ضغطاً قوياً». كانت هذه الكلمات كافية لإعادة إحياء الفكرة السائدة: تكثر الولادات عندما يكون القمر بدراً، مقارنة بالليالي الأخرى، علماً أن عدداً من العاملين في مجال الصحة يؤيدون هذه الفكرة. الواقع: ترتبط هذه الفكرة بالماء أيضاً. يعود الاعتقاد إلى أن الولادات تكثر في الليالي التي يكون فيها القمر بدراً إلى أن السائل السلوي في رحم الأم يتألف بمعظمه من الماء. ولكن هنا أيضاً لا تأثير للقمر في الماء داخل الرحم، وتدحض دراسات عدة هذا الاعتقاد. في عام 2005، تناولت دراسة أميركية نُشرت في المجلة الأميركية لطب التوليد والطب النسائي ولادة أكثر من 564 ألف طفل بين عامَي 1997 و2001 وقارنتها بالروزنامة القمرية. ما كانت الخلاصة؟ لم تلحظ بينهما أي رابط. توصلت الدراسة إلى ارتفاع كبير في الولادات نحو نهاية شهر سبتمبر، إلا أن لا دخل لذلك بالقمر: فهؤلاء هم الأطفال الذين حملت أمهاتهن بهم في ليلة رأس السنة الجديدة.
مشاركة :