المعنى الحقيقي للقيادة

  • 8/17/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

استمع * نايري وودز في الديمقراطيات المتقدمة اليوم، أصبحت الزعامة السياسية متاحة على نحو متزايد لأي شخص. فالناخبون الذين سئموا الوضع الراهن، يريدون التغيير على القمة، الأمر الذي يجعل حتى مؤسسات الأحزاب الكبرى مضطرة إلى النضال لتنصيب زعماء من اختيارهم. ففي المملكة المتحدة، أحبِطَت جهود نواب حزب العمال الرامية إلى إطاحة جيريمي كوربين كزعيم. وفي اليابان، مُني مرشح الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم المفضل لمنصب حاكم طوكيو، هيرويا ماسودا، بخسارة ساحقة لمصلحة يوريكو كويكي. أما عن الولايات المتحدة، فكان الحزب الجمهوري يريد فوز أي شخص تقريباً بالترشيح لمنصب الرئاسة باستثناء، دونالد ترامب، ومع ذلك فاز ترامب. ورغم أن هيلاري كلينتون التي تمثل الحزب الديمقراطي الآن كانت من اختيار مؤسسة الحزب، فإن منافسها بيرني ساندرز خاض معركة أشد شراسة من توقعات الجميع تقريباً. الرسالة الموجهة إلى المؤسسة واضحة: لم نعد نثق بكم. ولكن بعض القادة الذين يثق بهم الناخبون بالفعل ربما يشكلون خطراً حقيقياً للغاية لأنصارهم، وبلدانهم، والعالم. ويأتي ترامب بإعجابه المعلن بالطغاة، وعنصريته التي لا تعرف الخجل، وتمييزه الجنسي، وجهله بقضايا بالغة الأهمية، ومزاجه المتقلب على رأس القائمة. أما أولئك الذين قادوا الحملة البريطانية للخروج من الاتحاد الأوروبي مثل المحافظين من أمثال بوريس جونسون (الذي يشغل حالياً منصب وزير الخارجية) ونايغل فاراج الشعبوي اليميني وزعيم حزب استقلال المملكة المتحدة فقد استحقوا الذم على نحو مماثل بسبب تهورهم في تعريض مستقبل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء للخطر. إذا كان زعماء التيار الرئيسي راغبين في تغيير عقول الناخبين، فينبغي لهم أن ينظروا بعناية في المعنى الحقيقي للقيادة. وهنا تجدر الإشارة إلى نفاذ بصيرة الجنرال الأمريكي جورج مارشال، الذي تأمل في هذا الموضوع في حين عمل على إعادة بناء المؤسسة العسكرية الأمريكية في أربعينات القرن العشرين. زعم مارشال أن الزعامة ليست مسألة خطابة، بل شخصية. وعلى وجه الخصوص، يتعين على الزعماء أن يعرضوا ثلاث سمات رئيسية لكسب القدر اللازم من الثقة لكي يتسنى لهم القيادة بفعالية: العزم، والنزاهة، والكفاءة. وهو يرى أن العزم يعني تقديم المصلحة العام في الأهمية على المصالح الشخصية. ولا يزال هذا النوع من الزعامة موجوداً. ولكن في الكثير من الحالات، أصبحت السياسة مسألة ترويج للذات وسباقاً لرفع التصنيف. ففي ثقافة المشاهير اليوم، لابد أن يكون الساسة شخصيات. والمشكلة ليست أن هذا من الممكن أن يؤدي إلى انتخاب قادة غير مؤهلين على الإطلاق فقط، بل تكمن المشكلة أيضاً في أن حتى القادة المؤهلين، بمجرد انتخابهم، ربما يواجهون صعوبة كبيرة في التخلص من العناصر الشخصية في عملية اتخاذ القرار، وخدمة بلدانهم بتجرد وموضوعية. وقد عَرَضت هذا المنحدر الزلق بوضوح مذكرة كُشِف عنها مؤخراً كجزء من تحقيقات لجنة تشيلكوت في المملكة المتحدة، وكانت موجهة من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، في الفترة التي سبقت غزو العراق. تبدأ المذكرة بالتالي: سوف أكون معك، أياً كان. كان يتحدث عن قيادة بلاده إلى الحرب. ورغم هذا، تشير لغته إلى أن ارتباطه الشخصي بالرئيس بوش أتى على نحو أو آخر سابقاً في الأهمية لواجبه كرئيس وزراء. الواقع أن القيادة بالعزم وليس الشخصية، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتجرد الذي اعتبره مارشال أساسياً. فبمجرد تقلدهم لمناصبهم، يتعين على الزعماء أن يتصرفوا بنزاهة وصراحة. كما يتعين عليهم أن يقاوموا إغراءات استخدام سلطتهم الرسمية لمصلحة أنفسهم، أو أسرهم. أما المعيار الثالث للزعامة الجيدة الكفاءة فهو لا يتعلق بكم المعرفة التي يمتلكها الزعيم. بل يتألف أيضاً، كما لاحظ مارشال، من قدرة الزعيم على التعلم من أخطائه وإعداد نفسه ومن حوله للقرارات المهمة. والواقع أن قرار تشيلكوت بشأن افتقار بريطانيا إلى التحضير اللازم لحرب العراق، وما تلاها من تداعيات، كان دامغاً في هذه الصدد. الآن، حان وقت إحياء الزعامة الصالحة. فالناخبون في احتياج إلى رؤية مرشحين يظهرون العزم، والنزاهة، والكفاءة. وإذا لم يجدوا مثل هذا النوع من المرشحين فسوف يستمرون في التصويت ضد المؤسسة التي يعتقدون أنها خذلتهم حتى ولو كان ذلك يعني التصويت لمصلحة الفوضى في أوروبا، أو النرجسية المتهورة في الولايات المتحدة. * عميدة كلية بلافاتنيك للدراسات الحكومية، ومديرة برنامج الحوكمة الاقتصادية العالمية في جامعة أكسفورد. والمقال ينشر بالترتيب مع بروجيكت سنديكيت.

مشاركة :