بلغ معدل البطالة في القوى العاملة في المملكة العربية السعودية خلال النصف الثاني للعام 2015 حوالي 11.5 %، الذي يعني أن هناك 647 ألف شاب وشابة ما زالوا في انتظار عمل شريف؛ لكي ينعموا بحياة كريمة. لقد وضع المخططون لرؤية المملكة العربية السعودية 2030 وضمن أهدافهم الاستراتيجية أن يتم السيطرة على نسبة البطالة إلى نسبة 7% لمجتمع شاب يمثل الشباب من هم دون سن 30 سنة ما نسبته 67% من سكان المملكة. إن الانتقال من صياغة الأهداف إلى المبادرات الفعلية لابد أن يدور حول وخلال تنمية اقتصادية تؤدي إلى توليد وخلق فرص العمل، وكذلك من خلال الزيادة في مشاركة المرأة في التنمية ومجالات وفرص السوق. يعتمد علينا في التعليم العالي في المشاركة بدور ريادي في إعادة النظر في مخرجات التعليم ومدى مواءمتها لسوق العمل ومدى كفاية المخرجات المعرفية والمهارية للمتخرج لكي يكون قادرا على تقبل العمل وتقبل العمل له وفق منطق التبادل المنفعي. إننا نعاني في المملكة من تباين فيما يقدمه التعليم العالي من مخرحات في بعض التخصصات وحاجة سوق العمل حتى أصبحت المخرجات عبئا للسوق ومتطلباته، بل أصبحنا بسبب وفرة بعض التخصصات من جانب والمهارات غير المطلوبة في سوق العمل من جانب آخر، أداة لخلق المشكلات الاجتماعية والاقتصادية من خلال النقص المهاري للمتخرج والمواصفات المطلوبة لبعض عناصر السوق، وهو ما يعكس عدم وجود الاتصال والتواصل بين المؤسسات بتنوعها، وعدم تحديث البرامج المقدمة، وعدم وجود القراءة المستمرة والفعالة للسوق ومتطلباته. لابد من فهم واستيعاب وتطبيق أن سوق العمل هو وحده الذي يحدد العدد والتخصصات المطلوبة، وهو الذي يبنى عليه استحداث البرامج في مؤسسات التعليم العالي، ووفقا لحاجة ومتطلبات سوق العمل فقط. إن المطلع على برامج التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية ليجد بلا شك كثرة التخصصات في العلوم الانسانية وبالتالي كثرة الخريجين الذين يتم الدفع بهم لسوق العمل على حساب الاهتمام بالعلوم التطبيقية والعلمية. خلال لقائي بالسفير الأمريكي البرفسور: أوراشيما وهو من المهتمين بالتربية المقارنة الدولية، أوضح أن التعليم في العالم الآن يعاني في طرح المخرج ذي الجودة العالية في المهارة والمعرفة لكثير من التخصصات النادرة، ودلل على ذلك بالزيادة في نسب هجرة العقول للغرب من خلال برامج الاستقطاب لسد النقص في كثير من التخصصات. وهنا يتبادر للمهتم أهمية نظريات التنمية الاقتصادية التي تهتم بها كُبريات مراكز الأبحاث الغربية التي تضع الاهتمام بمستوى التعليم ذي الجودة واعتباره «رأس مال بشري» ومدى الأهمية بربطه بمتطلبات سوق العمل من خلال الخطط المرنة في التعليم العالي التي يمكن تعديلها وتطويرها بشكل سريع وفقا لمتطلبات معينة ووفق حاجة ورؤية السوق. وفي المقابل فإن المسؤولين في التعليم العالي بحاجة ماسة لقاعدة بيانات واضحة وشفافة ومحدثة حول سوق العمل ومتطلباته وتخصصاته والمهارات المطلوبة، حتى يستطيع المسؤول التغلب على بطء استجابة التعليم العالي لهذه المتغيرات. لابد هنا أن نبين الأهمية في إشراك مؤسسات سوق العمل والمهنيين والمهتمين من خارج التعليم العالي في وضع الخطط والبرامج والمناهج للتعليم العالي في تناغم تكاملي يسير بالعلاقة في اتجاة واحد نحو المسؤولية المجتمعية لسوق العمل نوعا وكيفا. في هذا المقام المتواضع، أطالب وزارة العمل في المملكة العربية السعودية في عمل شراكات استراتيجية مع مؤسسات التعليم العالي بالمملكة لتفعيل التواصل الفعال والمستمر؛ لتسهيل مراحل التخطيط التعليمي في جامعاتنا السعودية في التشخيص والتخطيط والتنفيذ والمراجعة والتقييم لبرامجها المقدمة لسوق العمل. إن الرؤية السعودية 2030 تحتم علينا إعادة ترتيب القطاعات والبرامج والمبادرات في التعليم العالي، من خلال خطوات شفافة وبعيدة عن البيروقراطية تمكن المسؤولين في جامعاتنا من القراءة والتشخيص لواقع سوق العمل ومن ثم تطوير البرامج المتاحة وتقليص غير الضروري منها أو إلغائه، وبناء البرامج الجديدة واستحداث المبادرات بناء على متطلبات السوق واحتياجات السوق فقط!. خاتمة: حين آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع، فقال سعد لعبد الرحمن {أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها}. فقال عبد الرحمن { بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلوني على السوق}.
مشاركة :