لا يشبه "نفرتيتي الحولاء".. نحّاتة تونسية تدافع عن تمثالٍ متَّهم بـ"تشويه" شاعر بارز

  • 8/17/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

على غرار الجدل الذي أثارته "نفرتيتي الحولاء"، وتماثيل أخرى لم تبد على درجة من الإتقان في مصر.. دخلت تونس على خط المنحوتات المثيرة للجدل، بتمثال لأحد أشهر شعرائها بدا فيه بعيداً عن ملامح البشر العاديين.. الأمر الذي اعتبره منتقدو التمثال "جريمة" فيما اعتبرته صانعته "إبداعاً" يعكس روح الشخصية وليس شكلها فقط مقدمة تفسيرها لما عجز منتقدوها عن فهمه. وفجر نصب تذكاري للشاعر التونسي الراحل محمد الصغير أولاد أحمد جدلاً واسعاً بعد تنصيبه بالمركز الثقافي الدولي في مدينة الحمامات ) شرقاً (، قبل أيام، في بادرة أراد لها أصحابها تخليد ذكرى الشاعر عبر المنحوتة التي حملت عنوان "صلاة خالدة". وخرج التمثال الذي تكلف 7 آلاف دولار، على شكل رجل طويل القامة –متران و70 سم- ضعيف البنية، فاغر الفم، وشاحب الوجه، ما أثار انتقادات عدة، أعادت للأذهان الجدل الثائر في مصر مؤخراً حول عدد من التماثيل "المشوهة"، إلا أن تمثال أولاد أحمد الذي دافعت عنه مصممته باستماتة لا يشبه بحال تمثال الملكة الفرعونية "نفرتيتي" الذي وضعته الإدارة المحلية لمركز سمالوط بمحافظة المنيا (وسط مصر) في مدخل المدينة يوليو/ نموز 2015، وقوبل بسخرية لاذعة من قبل المصريين الذين أطلقوا عليه "نفرتيتي الحولاء"، قبل أن يقرر اللواء صلاح الدين زيادة، محافظ المنيا السابق رفع التمثال وإحالة المسئولين عن نصبه للتحقيق. "جريمة فنية" المنحوتة التي أنجزتها الفنانة التونسية صديقة كسكاس بالتعاون مع 20 حرفياً، اعتبرها شعراء وإعلاميون وكتاب "جريمة فنية" لا تليق بتاريخ ونضال شاعر بقيمة أولاد أحمد بل وذهب بعضهم للمطالبة بإزالة هذا النصب التذكاري بشكل نهائي. بدوره نشر اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بيان تنديد واستنكار شديد اللهجة ضد هذا العمل الفني وصاحبته، مطالبين وزارة الثقافة التونسية بـ"فتح تحقيق جدي" فيما أسموه "صفقة مشبوهة وتلاعب بالمال العام" بين هذه الفنانة ومدير المركز الثقافي بمدينة الحمامات. "انطباعات شخصية" من جانبها وصفت النحاتة صديقة كسكاس في تصريح "لهافينغتون بوست عربي" الهجوم الشديد عليها وعلى عملها الفني بأنه "بلا مبرر ولا يستند لمعايير فنية بل مجرد انطباعات شخصية لأشخاص أخذتهم الحماسة في حب هذا الشاعر". وفي ردها على الانتقادات التي طالت المنحوتة وبأنها أخرجت الشاعر أولاد أحمد في صورة بشعة أجابت "يكفيني فخراً أن زوجة أولاد أحمد وابنته أعجبا بهذا النصب التذكاري وتأثرتا حد البكاء لحظة الكشف عنه". صديقة اعتبرت في ذات السياق أنها عمدت لإظهار الجوانب الشخصية والنضالية في حياة أولاد أحمد من خلال إبقاء فمه مفتوحاً، مضيفة "فم هذا الشاعر كان مفتوحاً للنضال قبل الثورة وبعدها، فلا يمكن لي أن أقوم بإسكات صوته في هذا النصب التذكاري، وقد تعمدت أن يكون طول النصب مترين و70 سم لإبراز شموخه، وهو الذي رفض الخنوع لبن علي رغم ما عاناه طيلة حكم المخلوع، أما عن الشحوب البارز على ملامح وجهه وضعف جسده فهو أمر مقصود، أردت أن أبرز الهم والفكر النضالي والثوري الذي كان يحمله هذا الشاعر في حب تونس وشعبها". وحول ردها على مطالبات بعض المثقفين لإزالة هذا التمثال رأت صديقة أن ذلك "يعد عاراً في حق الثقافة والمبدعين في تونس"، خاتمة بالقول "أحترم كل الآراء لكني مقتنعة تماماً بأن النصب التذكاري الذي أنجزته هو عمل إبداعي خالص غير منزه عن النقد". "حملة مغرضة" بدورها اعتبرت رئيسة جمعية أحباء الشاعر الصغير أولاد أحمد حياة حمدي أن "النقد حر لكن بشروط"، رافضة بشدة ما أسمته "ابتذالاً وسطحية في انتقاد البعض لمنحوتة الفنانة صديقة كسكاس". وشددت "لابد من التفريق بين النقد المبني على أسس فنية لمختصين في هذا الشأن وبين الانتقادات الاعتباطية والمغرضة المبنية على مجرد انفعالات وانطباعات شخصية وجهل بأسس العمل الإبداعي". "الدواعش الجدد" حياة اعتبرت أن رؤية الفنانة صديقة كسكاس "تجسد رؤية فنية لمبدعة في هذا المجال وفي حال كانت هناك اعتراضات على عملها يمكن لوزارة الثقافة أن تستجيب لطلبات البعض وتقوم بتشييد منحوتة أخرى للشاعر تعكس الرؤية والذوق العام والشعبي". وانتقدت بشدة الدعوات المطالبة بإزالة المنحوتة معتبرة إياها شبيهة بدعوات سابقة من بعض المتشددين فكرياً الذين قاموا بالهجوم على معارض فنية بجهة المرسى إبان الثورة، قائلة: "هذه الدعوات سواء كانت من اليمين أو اليسار لا تختلف عن عمل الدواعش الذين حطموا التماثيل في سوريا والعراق". أولاد أحمد وأولاد أحمد هو شاعر تونسي ولد في 4 أبريل/نيسان 1955 في سيدي بوزيد وتوفي في يوم 5 أبريل/نيسان 2016 بالمستشفى العسكري بتونس بعد معاناة مع المرض. عاش في بيئة فقيرة وقاسية في فترة خروج الاستعمار الفرنسي وبداية بناء الدولة التونسية. دافع أولاد أحمد عن الكرامة والحريّات، و سُجن في منتصف الثمانينيات وحُجبت العديد من قصائده، وتولّى إدارة بيت الشّعر من سنة 1993 إلى سنة 1997. في 15 أكتوبر 2015 كرمت وزارة الثقافة الشاعر في المسرح البلدي بالعاصمة بإشراف وزيرة الثقافة « لطيفة الأخضر » وبمشاركة عدد من الشعراء والفنانين والمبدعين اعترافاً بما قدمه من إنتاجات قيمة. مرض الشاعر مرضاً عضالاً وأثناء اشتداد المرض به، كتب من داخل المستشفى قصيدة مؤثرة أسماها "الوداع" يقول فيها: "أودع السابق واللاحق أودع السافل والشاهق أودع الأسباب والنتائج أودع الطرق والمناهج أودع الأيائل واليرقات أودع الأجنة والأفراد والجامعات أودع البلدان والأوطان أودع الأديان أودع أقلامي وساعاتي أودع كتبي وكراساتي أودع المنديل الذي يودع المناديل التي تودع الدموع التي تودعني أودع الدموع".

مشاركة :