القاهرة:الخليج يعكس منزل زينب خاتون القابع في أحضان القاهرة الفاطمية، ملامح من فنون العمارة الإسلامية التي تألقت في مصر خلال القرنين ال17 و18 الميلاديين، فيما تروي جدرانه العتيقة حكايات لا تنسى عن مقاومة المصريين للاحتلال الفرنسي، وكيف تحول هذا المنزل الأثري في فترة من الفترات إلى مأوى لشباب الحركة الوطنية من الفدائيين. يقع منزل زينب خاتون، في قلب القاهرة الإسلامية، وتحديداً في الزاوية التي تقطع زقاق العيني مع شارع الأزهر، وهو يعد حسب ما يرى الكثير من خبراء العمارة الإسلامية، تحفة فنية بالغة الجمال، ويقدم للدارسين مثالاً فريداً عن طبيعة العمارة في القاهرة خلال القرن الثامن عشر. يجمع المنزل في عناصره المعمارية، أبرز الملامح التي تميز كلاً من العصرين المملوكي والعثماني، وإن ظل تاريخ بناء هذا البيت يحير الكثير من الباحثين، نظراً لتعدد الروايات في هذا الشأن، فهناك من يقول إنه كان جزءاً من بيت كبير تعود ملكيته لالست شقراء بنت السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، المتوفية في سنة 791 هجرية، ويقول المقريزي في كتابه الشهير الخطط المقريزية، إن دارها كانت تقع بالقرب من المدرسة الغانمية، وهي تقع بالفعل على بعد خطوات من هذا المنزل العتيق، وما يرجح هذا القول، إن اسم خاتون يعني المرأة الشريفة الجليلة. لعب منزل زينب خاتون دوراً كبيراً في دعم الحركة الوطنية في مصر، نهايات القرن الثامن عشر، حيث تحول البيت إلى ملجأ لشباب من الفدائيين، وملاذ آمن يختبئون فيه هرباً من ملاحقة عيون الفرنسيين التي كانت تلاحق تحركاتهم، وعثر في البيت على27 جثة دفنت في سرداب تحت الأرض، يعتقد إنها جثث الجرحى التي كانت زينب خاتون تؤويهم داخل البيت. وتقول دراسات عدة انتهت إليها "الحملة الفرنسية على مصر"، إن هذا المنزل ينتمي إلى العصر المملوكي، ويستند علماء الحملة في ذلك إلى وثيقة الغوري التي تقول إن المنزل تعود ملكيته لرجل يدعى الزيني مثقال، وقد بناه في موقعه الحالي خلف الحد القبلي لمجموعة الغوري، وظل على حاله لعقود طويلة، قبل تجديده في القرن الثامن عشر الميلادي، أثناء حكم العثمانيين لمصر، وهو ما يفسر الظهور اللافت لملامح الطابع التركي على البيت الذي آلت ملكيته في ذلك الوقت لزينب خاتون التي تقول بعض الروايات إنها زينب بنت عبد الله البيضاء، التي أعتقها محمد بك المغربي، فيما تقول روايات أخرى إنها كانت واحدة من جواري محمد بك الألفي، أحد أكبر أمراء المماليك، وإنها تحررت بعد أن أعتقها الأمير، لتتزوج بعد ذلك من الأمير المملوكي الشريف حمزة الخربوطلي، فأصبحت أميرة وأضيف لاسمها لقب خاتون أي المرأة صاحبة الأمر والنهي، وبذلك أصبح اسمها زينب خاتون. يتكون منزل زينب خاتون من 3 طوابق، تعد نموذجاً فريداً للعمارة المملوكية الممزوجة بالعثمانية، إذ صُمم مدخل البيت وفق أسلوب المدخل المنكسر التابع للعمارة الإسلامية، ويمنح لسكان البيت خصوصية فريدة، حيث لا يمكن للزائر رؤية من بداخل البيت، ويفضي المدخل في البيت إلى حوش كبير، يحيط بأركان البيت الأربعة، وهو ما اصطلح على تسميته في العمارة الإسلامية ب الصحن، وهو حيلة كانت تستهدف ضمان وصول الضوء والهواء المنعش لواجهات البيت وما تحويه من حجرات. ورغم أن بيت زينب خاتون يتطابق في هذه السمة مع بيوت أثرية أخرى في القاهرة الفاطمية، فإنه يحتفظ بعمارة تميزه عن غيره، التي تتمثل في وجود قباب عدة، التي تعمل على توزيع التهوية في المنزل، فضلاً عن المشربيات التي تتميز بها العمارة الإسلامية المنزلية، وبالزجاج الملون الذي يشيع جواً من الجمال في المكان. ويحوي الطابق الأول حجرات المندرة، وهي مخصصة لاستقبال الضيوف من الرجال، كما يوجد إسطبل الخيل، وهناك أيضاً المزيرة وهي غرفة لحفظ المياه، إضافة إلى غرف المطبخ والطاحونة ومخزن الغلال، فيما يتكون الطابق الثاني من مقعد الرجال أو ما يعرف بالسلاملك، وهو عبارة عن شرفة واسعة تطل على صحن البيت، وهناك كذلك الحرملك، وهو مقعد الحريم الذي يتميز برحابته واتساعه، ويضم الطابق الثالث غرف الأميرة، التي تتميز بالزجاج الملون الذي يضيء الغرفة بألوان مختلفة حين يقع عليه ضوء الشمس، وعلى الجانب الأيسر من الحجرة، يوجد باب يؤدي إلى صندلة، والأخيرة تشتمل على سرير علوي كانت تمكث فيه السيدة بعد الولادة. ومع دخول العثمانيين إلى مصر، تعاقب الوافدون الجدد على سكن المنزل، وأضفوا لمساتهم عليه قبل ضمه إلى وزارة الأوقاف المصرية منذ سنوات بعيدة، التي أولت اهتماماً كبيراً به، وبالمنطقة المحيطة به أيضاً، وعثرت إحدى بعثات الترميم أثناء عملها داخل البيت مطلع التسعينات على عدد من الجرار المملوءة بالعملات الذهبية والفضية التي ترجع إلى العصر المملوكي، وفى ذلك قصة طريفة تروى، فأثناء عمل البعثة في ترميم البيت، اصطدم معول أحد العمال بجدار ليفاجأ المرممون بعشرات من القطع الذهبية تتساقط من فجوة في الحائط، الذي كان يضم عدداً من الجرار المملوءة بالعملات الذهبية والفضية كعادة المماليك في هذا العصر، حيث كانوا يخفون ثرواتهم في أماكن سرية داخل بيوتهم، خوفاً من انقلاب الأمراء عليهم، أو تحسباً لهجمات اللصوص، ومن هنا ظهر تعبير تحت البلاطة الشائع في مصر حتى اليوم، للتندر على الأشخاص الذين يدخرون جزءاً كبيراً من دخولهم الشهرية، تحسباً لنوازل الدهر.
مشاركة :