جمال سلطان:عاصمة النور إذ تدعم أفكار الظلام

  • 8/19/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ما يحدث في فرنسا هذه الأيام لا يصدق من فرط غرائبيته ، ويبدو أن الحضارة الأوربية بكاملها أصبحت على المحك الآن في اختبار المصداقية لكل القيم التي نادت بها وبشرت بها وتاهت بها فخرا على الإنسانية في تاريخها الحديث ، وباريس ـ تحديدا ـ التي كانت توصف بأنها عاصمة النور والاستنارة ، من فرط انفتاحها الفكري والديني والعلمي والفني ، تتحول الآن تدريجيا إلى عاصمة للظلام تحت تأثير الخوف من تمدد القيم الشرقية أو الإسلامية إلى عالمها . بدون أي معنى أو منطق استناري معقول ، قامت العديد من المدن الفرنسية الكبرى بإصدار قرار حظر ارتداء مايوه شرعي للنساء الشرقيات اللاتي يردن ممارسة السباحة ، سواء على البحر أو في حمامات السباحة ، وهو نوع من لباس البحر الذي صنعته الحاجة لإتاحة الفرصة أمام المرأة التي تريد احترام قيمها الشرقية والإسلامية وفي نفس الوقت تريد أن تمارس حقها في السباحة أو التريض ، وهو ثياب يستر كامل بدن المرأة بصورة لطيفة ، وفي نفس الوقت مصنوع من مادة ـ وبطريقة ـ لا تعوق حركتها في السباحة ، وهناك قطاع بين الشرقيات لا يروق لهن هذا الاختراع ولا يرونه متوافقا مع الشريعة ، ولكنه انتشر كثيرا بين النساء المحافظات في الغرب ، وفي فرنسا تحديدا ، مجرد أفكار شخصية ، يفترض أنها تتيح فرصة اندماج المرأة الشرقية في المجتمع الفرنسي بقدر لا يسمح بذوبانها قيميا وأخلاقيا في المجتمع الجديد ، وفي نفس الوقت تتعايش مع دورة الحياة فيه وقواعد الحرية التي نشأ عليها . طقت في رأس بعض السياسيين هناك أن هذا المايوه الذي يسمى البوركيني يمثل تهديدا لقيم فرنسا وشخصية فرنسا وعلمانية فرنسا ، كيف ؟ لا تجد إجابة عاقلة فضلا عن أن تنتمي إلى أي معنى للاستنارة أو احترام الحريات الشخصية ، وبعد أن قرر عمدة مدينة كان حظره ، تمدد الحظر في مدن فرنسا من شمالها إلى جنوبها ، وأصبح مجرما وتتعرض من تستر بدنها به في البحر للعقوبة إذ لا بد من أن تتعرى وترتدي البكيني ، هذه هيستريا حقيقية ، وقد زاد عمدة كان في عيار تطرفه عندما وصف هذا المايوه الشرعي بأنه لا يتفق مع الأخلاق الحميدة إضافة لمخالفته المزعومة للعلمانية الفرنسية ، ولا أدري من الذي منح عمدة كان الحق في أن يكون مرجعية للأخلاق الحميدة والمرذولة ، وكيف اعتبر أن المايوه البكيني الكاشف لجسم المرأة بالكامل إلا سنتيمترات قليلة هو الفضيلة وهو الأخلاق الحميدة ، بينما المايوه الذي يستر بدن المرأة يحرض على الرذيلة ، أي تطرف هذا . إيطاليا رفضت حظر المايوه الشرعي واعتبرته حرية شخصية ، كما اعتبرت أن منعه قد يزيد من التطرف ، وهذا هو العقل فعلا ، لأن ما تفعله فرنسا يعطي رسالة سلبية للغاية عن فكرة الحرية والاستنارة وحتى العلمانية ، باعتبار أنها مجرد ستار للقمع من الطرف الغالب وأن من انتزع السيطرة بالقوة سيفرض قيمه بالقوة أيضا ، وهذا هو منطق داعش نفسها ، ولا تختلف فرنسا في هذه المسألة عن طريقة داعش في فرض قيمها على النساء في المناطق التي تنتزعها وتفرض عليها سلطانها وقوانينها ، كلاهما دواعش ، كما أن هذا السلوك الفرنسي ـ بدون شك ـ يدعم منطق المتطرفين ، ويقدم خدمة عظيمة للدواعش ، بأن الغرب هو ضد الدين الإسلامي نفسه ، وليس ضد تنظيم أو جماعة تمارس العنف ، وأن الغرب يتحرش بالدين الإسلامي وقيمه وأخلاق الشرقيين المغايرة للأخلاق السائدة هناك ، وأن فكرة الحرية الشخصية أكذوبة ، فعلى أي أساس تطالبون بها أمير داعش وتستثنون منها أمير باريس . القرارات الفرنسية الجديدة هي انعكاس لموجة العنصرية التي تتمدد الآن في أكثر من دولة أوربية ، بل في لغة المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب نفسه ، وبوضوح فج ، وما لم يتم محاصرة تلك الموجة ، ومقاومة آثارها لدى القيادات السياسية المسئولة ، والأحزاب الكبرى ، فإنها ستفتح أبوابا من الشر الجديد على العالم ، وتغذي نزعات التطرف في كل اتجاه ، وتضعف موقف المعتدلين وتهمشهم ، بقدر ما تنهار كل قيم الحرية التي ناضل من أجلها البشر طويلا ، وما يزالون . almesryoongamal@gmail.com twitter: @GamalSultan1 جمال سلطان

مشاركة :