رغم الشكوك الواسعة والمتزايدة في لبنان حيال أيّ تطوراتٍ إيجابية من شأنها ان تُخرِج أزمته الرئاسية من عنق الزجاجة، لا يمكن إنكار التفاعل القويّ الذي شهده المشهد السياسي في الأيام الأخيرة بما يدفع الى تَوقُّع خلْط أوراق واسع تعتقد أوساطٌ سياسية بارزة ان شهر سبتمبر المقبل سيكون مسرحاً للتعبير عنه. ذلك انه اذا كان الردّ الواضح والعلني الصريح لكتلة «المستقبل» النيابية على طرْح الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه السبت الماضي حول إمكان عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة مقابل قبول الأخير بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية جاء سلبياً، فإن ذلك لا يُسقِط استمرارَ الجدل والأخذ والردّ حول دوافع نصر الله لهذا الطرح وعبْره محاولة استشراف العنصر الأبعد المتّصل بثلاث نقاط بارزة لا يَجري طرْحها علناً. وتحدّد هذه الأوساط البارزة عبر «الراي» هذه النقاط بثلاثة أسئلة كبيرة تشغل فريق «المستقبل» كما سواه من قوى حليفة: الأوّل هل بات الحزب قاب قوسيْن وأدنى من تسهيل انتخابِ رئيسٍ للجمهورية قبل نهاية السنة لدواعٍ تتصل بإدراكه ان انهيار الواقع الاقتصادي والاجتماعي وانفلات حبْل الصراع السياسي في السنة المقبلة سيشكّل خطراً غير مسبوقٍ عليه كما على مجمل القوى السياسية ما يستلزم اختراقاً ينزع نمط التعطيل الذي يتّبعه منذ نشوء الأزمة الرئاسية؟ والثاني هل يتوجّس الحزب من التداعيات الخطرة لتَراجُع وضع زعيم «المستقبل» سعد الحريري على الشارع السني تحديداً الذي تتصاعد فيه ملامح الشرذمة والفوضى بما يضع الحزب أمام خيار حاسم لمصلحة تزكية الحريري وتَجنُّب تنامي التطرف في الشارع السني؟ أما السؤال الثالث، فهل هناك خشية فعلية لدى «حزب الله» من مآل الانتخابات الرئاسية الأميركية التي دخل نصر الله على خطّها في خطابه الأخير بشنّه هجوماً استباقياً على هيلاري كلينتون، ما يجعله يحبّذ اقتناص فرصة ترتيب الوضع اللبناني قبل تسلم الإدارة الاميركية الجديدة وما قد تلجأ اليه من إعادة نظر في سياسات واشنطن حيال أزمات المنطقة ولا سيما سورية؟ وتالياً ربما هذا ما يفسّر اندفاعة الحزب وحليفه الرئيس نبيه بري الى التلويح بـ «مفترق طرق» نهاية السنة فإما دفْع الآخرين للتسليم بشروطه لحلّ الأزمة الرئاسية او «الفراغ القاتل» الذي قد يستجرّ حرباً أهلية. وتقول الأوساط نفسها إن الحديث الذي يكرّره نواب ومسؤولون في «حزب الله» عن تعبيد الطريق الى نهاية الأزمة الرئاسية، يوحي بأن ثمة شيئاً ما يدفع نحو إعطاء التحذيرات المتكرّرة للرئيس بري من وجوب انتخاب رئيسٍ للجمهورية قبل نهاية السنة الحالية صدقيةً وجديةً، ولو ان الحزب يضرب طوال الخط على وتَر إيصال العماد عون الى الرئاسة. ويبدو واضحاً ان الحزب يرى الفرصة سانحةً للضغط على الحريري ترغيباً بالعودة الى السرايا لتوظيف اللحظة في إيصال عون. ولكن مجمل هذا المناخ يبقى عالقاً عند نقطةٍ حاسمة يختصرها غياب الرئيس الحريري عن البلاد وعن الأضواء، فيما تعلن كتلته الموقف المبدئي بما يجعل «حزب الله» وآخرين سواه يعتقدون ان الكلمة النهائية الحاسمة لـ «المستقبل» لم تُقل بعد في انتظار عودة الحريري الى البلاد. وتعزز هذه القناعة لدى هؤلاء معلوماتٌ تؤكد ان اجتماعاتٍ متواصلة تعقدها كتلة «المستقبل» بعيداً عن الأضواء وتشهد نقاشاً مفتوحاً حول المسألة الرئاسية، كما يجري فيها الإعداد لورشة داخلية كبيرة سيعقدها تيار «المستقبل» في مؤتمرٍ له في شهر اكتوبر المقبل وكان الحريري قرر عقده عقب الانتخابات البلدية الأخيرة من منطلقِ مراجعةٍ واسعة لأوضاع التيار. وسواء كانت حسابات «حزب الله» ورهاناته على تسويةٍ يَقبَل فيها الحريري بانتخاب عون في نهاية المطاف صحيحةً او خاطئة، فان الأوساط نفسها تكشف ان الفريق العونيّ راح بدوره بعيداً في رهانٍ جديدٍ على الموعد المقبل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي تحمل الرقم 44 والتي ستعقد في السابع من سبتمبر المقبل وحتى لو لم يُنتخب فيها عون، فإن هذا الرهان يمني النفس باقتراب لحظة الجنرال. وتشير الأوساط في هذا المجال الى تصريحاتٍ علنية لبعض اللصيقين بالجنرال عون في الأيام الأخيرة جزموا عبْرها بأن انتخابه سيكون محسوماً. كما توافرتْ لهذه الأوساط معلوماتٌ مفادها ان عون نفسه قال صراحةً خلال العشاء الموسّع الذي عُقد في مقرّ السفارة المصرية في الدوحة مساء الثلاثاء مع وزير الخارجية المصري سامح شكري وضم عدداً من الأقطاب انه إما يُنتخب هو «رئيس أو لا رئيس». وفي ظلّ هذه الأجواء، تعتقد الأوساط السياسية البارزة ان تحميةً تَصاعُدية بدأت تسخن المناخ السياسي استعداداً للمحطات والاستحقاقات المتعاقبة التي يحملها شهر سبتمبر المقبل، بدءاً من جولة الحوار الجديدة في الخامس من سبتمبر مروراً بالجلسة 44 لانتخاب رئيس الجمهورية في السابع منه، وصولاً الى اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي سيُعقد في الثلث الأخير من الشهر المقبل على هامش أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة في نيويورك والذي سيتّسم توقيته هذه السنة بأهمية استثنائية على مشارف الانتخابات الرئاسية الاميركية وخطر ترْك لبنان فريسةً لأزماته وترحيلها الى السنة المقبلة.
مشاركة :