كيف نُقدِّر عمر الكون في علم الفيزياء والفلك؟ وعلى أي أساس اتفق الباحثون على أن عمر الكون هو 14 مليار سنة تقريبا؟ من أين جاء هذا الرقم؟ وعن أي كون نتحدث؟ إليكم الإجابة! لنبدأ بالتفكر في أنفسنا! مرور الزمن يغير شكل الإنسان بطريقة قابلة للتنبؤ؛ إلى الحد الذي يمكّنك من تخمين عمر شخص لا تعرفه وذلك بالنظر إلى أثر الزمن في ملامحه! ولكن لكي تزيد من دقة تقديرك؛ ينبغي أن تستخدم طرقا أخرى مستقلة. وكلما كانت التقديرات المستقلة متقاربة، زادت الثقة في الاستنتاج الأخير! هناك عدة طرق مستقلة تمكننا من تقدير عمر الكون المرصود! مثلا: دراسة النجوم! فالنجوم في الفضاء تمر بعدة مراحل، وبمرور الزمن تفقد الوقود النووي بداخلها فتحترق لتترك بقايا كالجمر الذي ينطفئ! وتسمى تلك البقايا النجمية -في إحدى المراحل النهائية- بـالأقزام البيضاء. وهي موجودة في الفضاء وبإمكان أي هاو أن يرصد بعضها إذا توفرت لديه الوسائل. بدراسة بعض خصائص الأقزام البيضاء، إضافة إلى معرفة معدل فقْدها للطاقة؛ يتمكّن الباحثون من تقدير المدة الزمنية التي يفترض أن تكون قد استغرقتها هذه البقايا النجمية حتى وصلت إلى تلك الحال. وبناء على هذه الدراسات توصل الباحثون إلى أن عمر الكون لا يقل عن 13 مليار سنة. ونحن هنا نتحدث عن الكون المرصود والذي سأشبهه بالمسكن! فكوننا المرصود هذا كان مثل الأرض التي أمامها أكياس أسمنت وأعمدة الحديد المسلح وغيرها من مواد أولية لبناء المنزل. بمعنى أنه في قديم الزمان لم تكن في الكون نجوم ومجرات وكواكب، بل مواد خام (نسميها بالجسيمات الأولية). وهذه المرحلة تسمى بمرحلة بدايات الكون. وهي تسمية واضحة المعنى ومبررة، خصوصا أنها كانت مرحلة الانطلاق لبناء المسكن: النجوم والمجرات والكواكب وغيرها! وعليه فإن دراسة مرحلة بدايات الكون التي سبقت تكوُّن النجوم، ومن ثم مرحلة نشوء النجوم وتحولها إلى أقزام بيضاء تمكننا من تقدير عمر الكون. وأشدد على أن المقصود بعمر الكون هو الزمن من المرحلة التي لم يكن فيها إلا مواد أولية إلى وقتنا الحاضر. هناك طريقة أخرى ومستقلة لتقدير عمر الكون تعتمد على دراسة معدل توسع الكون (تمدُّد الفضاء) إضافة إلى دراسة خصائص ما يسمى بـالأشعة الكونية الخلفية، وهو أقدم ضوء منتشر في كل أنحاء الفضاء ونتج عن مرحلة بدايات الكون! وهذه الدراسات قامت على بيانات جمعها تلسكوب هابل الفضائي، وثلاثة مسابير فضائية من ناسا والاتحاد الأوروبي خلال الثلاثين سنة الماضية وبميزانيات تقدر بالمليارات، وبجهد باحثين من مختلف أنحاء العالم. وبناء عليها فإن عمر الكون المرصود يقدر في حدود 14 مليار سنة (أو للدقة: 13.799 مليار سنة بزيادة أو نقصان قدرها 21 مليون سنة!). على أية حال، هذا الرقم هو أقصى ما توصل إليه علم الإنسان! ويعرف من يعمل منكم في البحث العلمي في مجالات العلوم أننا قد نتفاجأ برصد ظواهر وأشياء جديدة تغير نظرتنا وتقديراتنا، ولكن حتى ذلك الوقت فإننا نأخذ بهذا الرقم. أخيرا، قضية بدايات الكون هذه، من المهم أن يستوعبها علميا من يناقش غيره في قضايا العلوم وخصوصا من يصر على الربط بين العلوم والإلحاد أو الإعجاز العلمي. فكثير من المجادلات التي نراها اليوم مبنية على قراءة سطحية وفهم ضعيف لما توصل إليه الإنسان من معرفة. وتغيير هذه الحال إلى الأحسن وتحديث معلومات المجتمع حول العلوم هو ما نطمح إليه! الرياض د معين بن جنيد
مشاركة :