ظلت القهوة العربية إحدى دلالات الكرم والضيافة العريقة التي لا يخلو منها اي مجلس عند قدوم الضيوف، ولا تزال الأجيال تتعاقب على هذا التقليد القديم رغم ظهور جيل جديد بدأ يحيد عن هذه التقاليد بما أفرزته الحضارة المعاصرة التي نعيشها اليوم، إذ كانت القهوة تقدم لأفراد المنزل منذ الصباح الباكر خصوصاً كبار السن التي تعني بداية يوم جديد مفعم بالحيوية والنشاط، وقد كان إعداد القهوة يتطلب جهداً كبيراً بدءًا من «حمس» حباتها على نار هادئة ومن ثم «طحن» حبوبها بعد تبريدها ووضعها بعد ذلك في «إبريق» به ماء لغليها ومن ثم وضع البهارات اللازمة في دلة تقديم القهوة مثل الهيل والزعفران والقرنفل وغيرها، ومن ثم سكب القهوة وطبخها قليلاً لتكون جاهزة برائحتها الزكية حيث تدار «فناجين» القهوة على الحضور ليرتشفوها مع حبات من التمر. شباب اليوم استبدلوا «البن العربي» بـ«الأسبرسو» و«الموكا» و«الكافي لاتيه».. والدلة بالزمزمية ولا زال الكثير وخصوصاً من كبار السن يحرصون على تناولها في كل صباح ومساء رغم ظهور جيل جديد لم يعد يحرص على تناول القهوة إلاّ في المناسبات واستبدلها بما ظهر اليوم من أنواع جديدة من أنواع المشروبات الساخنة والباردة والتي حلت محل القهوة العربية ذات الذائقة الجميلة ومعدلة الكيف كما يسميها محبوها، فانتشرت محلات إعداد القهوة الحديثة التي تسمى «الكوفي شوب»، والتي تقدم قهوة تحمل أسماء غربية كالقهوة الأمريكية والفرنسية ذات النكهات العديدة و»النيسكافيه» و»الموكا» و»اللاتيه» وغيرها والتي تقدم معها الحلويات والوجبات الخفيفة. بداية القهوة انتقلت القهوة من اليمن إلى أنحاء الجزيرة العربية وفي القرن الخامس عشر وصلت القهوة إلى تركيا ومن هناك أخذت طريقها إلى فينيسيا في عام 1645م ثم نقلت القهوة إلى إنجلترا في عام 1650م عن طريق رجل تركي يدعا باسكا روسي الذي فتح أول محل قهوة في شارع لومبارد في مدينة لندن، ومن ثم تحولت القهوة العربية إلى قهوة تركية ثم إلى قهوة إيطالية ثم إلى قهوة بريطانية، وكان الطبيب الرّازي الذّي عاش في القرن العاشر للهجرة أوّل مَن ذكر البن والبنشام في كتابه (الحاوي) وكان المقصود بهاتين الكلمتين ثمرة البن والمشروب، وفي كتاب (القانون في الطّب) لابن سينا الذّي عاش في القرن الحادي عشر، يذكر البن والبنشام في لائحة أدوية تضم (760) دواء، ومن المؤكّد أنّ البن كان ينبت بريًّا في الحَبشة واليمن، وكان اليمنيّون أوّل من عمل على تحميص بذور البن وسحقها، وسُجِّل في القرن الرّابع عشر في اليمن أوّل استعمالٍ غير طبّي للبن، وبدأت زراعته على نطاقٍ واسعٍ منذ ذلك الوقت، وهي قهوة تعتبر خفيفة توضع فيها حبات الهيل عند بعض أهل الحاضرة والبادية من العرب في الجزيرة العربية، وهناك القهوة الغامقة عند البعض الآخر، وعادةً تكون مُرّة وليس فيها سكر أبداً وتقدم في فنجان صغير. جيل «ما أشرب فنجالك إلا تلبي طلبي» يكرم الضيف بالقهوة الأصيلة قبل ظهور جيل الكابتشينو دن المبرد وكانت القهوة فيما مضى شحيحة اذ كانت مقتصرة على فئة معينة من المجتمع وهي الفئة المترفة التي تستطيع أن تدفع المال الكثير من أجل الحصول عليها لندرتها في ذلك الزمان، ولا غرابة في أن نسمع الكثير من القصص التي يرددها كبار السن ممن عاصروا تلك الفترة التي كانت البيوت الني تعد فيها القهوة تعد على أصابع اليد الواحدة حيث كان في كل بلدة عدد قليل من البيوت التي تشتهر بتقديم القهوة للضيوف، وقد كان الضيوف أنفسهم يشاركون في تقديم القهوة فقد كان من يأتي إلى تلك البيوت ويدخل مكان إعداد القهوة يحمل معه كيسا من القماش يسمى بقشة فيه عدد من المخابئ، بحيث يكون مقسماً، فمخبأ فيه حبات من القهوة وآخر عدد من حبات الهيل الذي يعد بهار الدلة، فإذا ما أراد أحد الحضور ارتشاف القهوة قال لصاحب المنزل الذي يجلس عند الوجار كلمة شهيرة دارجة في تلك الأيام وهي دن المبرد، والمبرد هو إناء خشبي مثلث الشكل محفور من الداخل بشكل انسيابي واسع مكشوف ومفتوح من الخلف ومغلق من أعلاه من الأمام وضيق يستخدم لتبريد البن بعد حمسه وقبل دقه في النجر، فيحل بقشته ويخرج بضع حبات من القهوة، ثم يعطيه للذي يليه، فيضع من بقشته عدداً من الحبيبات أيضاً، ويدور المبرد على الجالسين وكلٌ يضع حبات من القهوة من بقشته، ومن ثم يُبهّر الدلة ويسقي الحاضرين، ولم يكن في تلك العادة أي بأس أو استنقاص لصاحب المجلس. جهد كبير وقد كان إعداد القهوة قديماً يتطلب جهداً ووقتاً كبيراً حيث يبدأ يحمس القهوة في المحماس وهو إناء معدني مقعر ذو يد طويلة على النار في وجار مجلس اعداد القهوة وتُحرّك القهوة حتى تنضج جميع جهاتها بواسطة عصا من الحديد يشبه الملعقة الطّويلة ومن ثم يتم تبريدها وطحنها في النجر الذي تدق فيه بصوت شجي يطرب الجالسين ليبدأ بعد ذلك طبخها لفترة في الخمرة وهي دلة كبيرة تطبخ فيها القهوة وبعد ذلك تصب في دلة صغيرة ويضاف اليها البهار كالهيل والقرنفل وغيرها وبذلك تكون جاهزة لتقديمها للضيوف وقد أجاد العديد من الشعراء في وصف القهوة وإعدادها ومن أجمل ما قيل في ذلك أبيات الشاعر الشهير محمد بن عبدالله القاضي التي قال فيها: يــا مــل قـلـب كل مـا الـتـم الاشـفــاق مـن عـام الأول بـه دواكـيـك واخـفـوق كـنـه مــع الــدلال يـجـلـب بـالاســواق وعامين عند امعزل الوسـط مـا سـوق يجاهـد اجنـود فـى سواهيـج الاطـراق ويكشـف لـه أسـرار كتمـهـا بصـنـدوق لا عــن لــه تـذكـار الآحـبـاب واشـتـاق بالـه وطـاف بخاطـره طــاري الـشـوق دنيـت لـى مــن غـالـي الـبـن مــا لاق بالكـف ناقيـهـا عــن الـعـذف منـسـوق احمـس ثـلاث يا نديـمـي عـلـى ســاق ريحه على جمر الغضى يفضح السوق وايـــاك والـنـيــه وبــالــك والاحــــراق واصحـا تصيـر بحمسـه البـن مطـفـوق الـى أصفـر لونـه ثـم بشـت بـالاعـراق أصفر كمـا الياقـوت يطـرب لهـا المـوق وعـطـت بـريــح فـاخــر فـاضــح فـــاق ريحـه كمـا العنبـر بالأنفـاس منـشـوق دقــه بنـجـر يسمـعـه كـــل مـشـتـاق راع الهـوى يـطـرب الــى دق بخـفـوق لـقــم بــدلــة مــولــع كـنـهــا ســــاق مـصـبـوبـة مـربـوبــة تــقــل غــرنــوق خلـه تـفـوح وراعــي الكـيـف يشـتـاق إلـى طفـح لــه جـوهـر صــح لــه ذوق أصـفـر قـمــوره كـالـزمـرد بـالأشـعـاق وكبارها الطـافـح كـمـا صـافـى الـمـوق زلـه علـى وضحـا بهـا خمـسـه أزيــاق هيـل ومسـمـار بالأسـبـاب مسـحـوق مع زعفران والشمطـري الـى انسـاق والعنبـر الغالـي علـى الطـاق مطبـوق فليـاأجـتـمـع هــــذا وهــــذا بـتـيـفـاق صبـه أكفيـت العـوق عـن كـل مخلـوق بفنجـال صـيـن زاهــي عـنـد الارمــاق يغضي بكرسيـه كمـا أغاضـي غرنـوق الـى انطلـق مــن ثعبـتـه تـقـل بــراق أو دم قـلــب وانـمــزع مـنــه مـعـلـوق أنواع القهوة بما أن القهوة تُعتبَر رمزاً من رموز الكرم عند العرب فقد حلت عند العرب محل لبن الإبل، فباتوا يُفاخرون بشربها وصارت مظهراً من مظاهر الكرم في نظرهم، فباتوا يعقدون لها المجالس الخاصّة التي تُسمّى بـ الشبّة أو القهوة أو الدّيوانيّة، ولعناية الناس بالقهوة فقد باتوا ينتقون أجودها، فالبن الذي تعمل منه أنواع من أطيبها وأشهرها الخولاني ثم يأتي البري والهرري ولقمتي وغيرها، كما أن الدلة التي تقدم فيها القهوة لها أنواعها أيضاً وتوحي الى مكانة صاحبها، فالموسرون من الناس يستخدمون أغلى الدلال كـالبغدادية التي يجلبها بعض المُضيفين من بلدانٍ بعيدةٍ وبأسعارٍ باهظةٍ طمعاً في السّمعة الحسنة وهي أقدمها وأثمنها وأجودها، ومنها أيضاً الحساوية والعمانية والرسلانية التي تنسب لأسرة رسلان في الشام والقرشية التي تصنع في مكة. آداب وفنون هناك آداب ارتبطت بتقديم القهوة منذ القدم في بلادنا فمنها أنه عند تقديم القهوة فإن الذي يقوم بصبها يمسك الدلة باليد اليسرى ويقدم الفنجال باليد اليمنى، وأيضا يتم تسليم الفنجان للذي يصب القهوة الذي يدعى القهوجي باليد اليمنى كذلك، وفي بعض المناطق يشترط لديهم ان تكون القهوة بالفنجان ليست مملوءة وإنما تُصب القهوة في الفنجان بنص مقدار الفنجان وإذا امتلأ الفنجان وتم تقديمه للضيف فانه يعتبر إهانة، ومن مهارة صبّ القهوة أيضاً أن يحدث من يصبها صوتًا خفيفًا نتيجة ملامسة الفناجيل بعضها البعض وكان يُقصَد بهذه الحركة تنبيه الضّيف إذا كان سارحًا كما تقدم في الأفراح، أما في الأحزان كالعزاء أحياناً فعلى مقدم القهوة ألا يصدر صوتاً ولو خفيفاً، وبلغ من احترام العرب في السابق للقهوة أنه إذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المُضيف فانه كان يضع فنجانه وهو مليء بالقهوة على الأرض ولا يشربه، فيلاحظ المُضيف أو شيخ العشيرة ذلك، فيُبادره بالسؤال: ما حاجتك؟، فإذا قضاها له، أَمَره بشرب قهوته اعتزازًا بنفسه، وإذا امتنع الضّيف عن شرب القهوة وتجاهله المُضيف ولم يسأله ما طلبه فإنّ ذلك يُعدّ عيباً كبيراً في حقّه، وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة، وأصحاب الحقوق عادةً يحترمون هذه العادات فلا يبالغون في المطالب التعجيزية ولا يطلبون ما يستحيل تحقيقه. تحضير سريع كل شيء طاله التغيير بفضل التقدم الذي نعيشه اليوم ومن هذه الأشياء طريقة اعداد القهوة التي كانت في الأمس القريب تتطلب وقتاً وجهداً كما أسلفنا في اعدادها، فالنّجر مثلاً تقابله الطاحونة أو المطحنة الكهربائية، والمحماس تقابله المحمصة الكهربائية، والدّلة تقابلها الحافظات أو التّرامس ويطلق عليها اسم الزمزمية في بعض المناطق التي تبقي القهوة حارة لفترة طويلة بالساعات، وأخيراً فقد تم تجهيز خلطة خاصة بالقهوة سريعة التحضير محفوظة في أكياس بحيث يكفي كل كيس لطبخة واحدة من القهوة بمقدار اللتر تقريباً وبنكهات متعددة فمنها ماهو بالهيل ومنها ما هو بالزعفران أو القرنفل -العويدي-، وطريقة إعدادها سهلة وميسرة فما على من أراد أن يعد القهوة إلاّ أن يفرغ محتوى الكيس في دلة القهوة أو الزمزمية، ومن ثم يسكب الماء الحار المغلي عليها وينتظر لمدة خمس دقائق، وقد ساهمت هذه القهوة السريعة في إرضاء مذاق من لا يستغني عن القهوة في الأوقات الضيقة مثل السفر، وباتت الكثير من الشركات تتفنن في صناعتها بنكهات متعددة. كوفي شوب كانت القهوة العربية تقدم فقط في المقاهي الشعبية البسيطة المنتشرة في أطراف المدن أو على الطرق ويقدم معها الشاي، وكان كل من يرغب في تناول القهوة خارج منزله لظروف السفر أو العزوبية يجتمع مع أصدقائه في تلك المقاهي، اذ كانت القهوة فيما مضى من المشروبات التي يحرص الناس على احتسائها في البيوت بشكل يومي متكرر لا يمكن الاستغناء عنه، وهي الكيف الذي ينشده المجتمعون سواء من أهل المنزل أو ضيوفهم ولكن مع تقدم الوقت وظهور العديد من المشروبات الساخنة وأنواع متعددة للقهوة كالقهوة التركية والفرنسية والامريكية والايطالية والأسبرسو والموكا واللاتيه والكابتشينو صار هناك مقاهٍ خاصة تقدمها وسميت بـالكوفي شوب، حيث باتت تجذب الشباب وتلقى رواجاً في المدن الكبرى منذ مطلع العام 2000م، وسرعان ما انتشرت في جميع المدن والمحافظات وصارت تتبارى في جذب زبائنها بديكوراتها الفخمة واضاءاتها الخافتة وبما تقدمه من حلويات ومأكولات خفيفة، ولزيادة الإقبال عليها فقد تم افتتاح العديد من المقاهي العائلية التي باتت تشهد زحاماً كبيراً مما يضطر روادها إلى الحجز مسبقاً لضمان وجود مكان شاغر بها، وصار العديد من الناس يستعين بها لاستقبال الضيوف بدلاً من المنازل، وبذلك قل الإقبال على القهوة العربية خاصةً من فئة الشباب وباتت لا تقدم إلاّ في اللقاءات الرسمية والمناسبات رغم تمسك جيل الكبار بها خاصةً في الطلعات البرية والسفر. إعداد القهوة قديماً كان يتطلب جهداً كبيراً مقاهي زمان شهدت أجمل الجلسات مع تناول القهوة العربية ظهور أنواع متجددة من القهوة العصرية سبب عزوف الشباب عن القهوة العربية القهوة العربية مازالت حاضرة في المناسبات الرسمية والأفراح جلسات الكوفي شوب الهادئة أنست شباب اليوم القهوة العربية جلسات السمر والبر لا تحلو بدون القهوة العربية والتمر الحلويات حلت بديلاً عن التمر عند الشباب اليوم
مشاركة :