يُعد انتشار السمنة ظاهرةً كبرى في الدول الغنية والمتقدمة، إلا أن الغريب والمفاجئ هو ارتفاع معدلات السمنة أيضاً في الدول النامية! وظهرت مبادرات عدة في محاولة للقضاء على تلك الظاهرة، إلا أن وجود استراتيجية جديدة تقوم على تخطيط المدن هو فكرة تستحق اهتماماً خاصاً، خصوصاً في البيئات التي تشهد نمواً سريعاً ويمكن إحداث أثر كبير فيها. وبحسب تقرير نشرته مجلة الأميركية، فإن هذا المبدأ يعد نموذجاً للتصميم الحضري يكون فيه التخطيط المعماري للشوارع والطرق والمباني داخل المدينة مكوناً من عدة مناطق أو أحياء مترابطة يسهل السير بينها، ويتضمن كل منها مجموعة من المباني التي توفر الخدمات أو الوظائف التي يتجه الناس إليها عادة. يقول أستاذ الصحة الدولية بكلية لندن الجامعية والباحث البارز بمعهد Wellcome Trust البريطاني ديفيد اوسرين، "الأمر أشبه بمجموعات من القرى التي يعيش الناس فيها ويعملون ويتسوقون في المنطقة ذاتها". وبطبيعة الحال، لا يوفر هذا النوع من الأحياء جميع الاحتياجات بالكامل، وإذا حدث ذلك يحتاج الناس أيضاً للخروج والذهاب إلى أماكن بعيدة يصعب الذهاب إليها سيراً أو بالدراجة، وهنا يمكن أن تكون المواصلات العامة حلاً في هذه الحالة. يضيف اوسرين، "ربط هذه القرى الصغيرة (الأحياء) من خلال النقل العام ومن خلال النقل النشط (مثل السير أو استخدام الدراجة) سيرفع من مستوى النشاط". ربما تبدو العلاقة بين السمنة ونوعية المواصلات التي نستخدمها علاقةً ضعيفة، لكن عندما يكون هناك مزيج من الأماكن التي تقدم خدمات متنوعة ومختلفة في حدود مسافة قريبة، يزداد معدل استخدام النقل النشط، كما أن الدول التي تملك أعلى معدلات للنقل النشط لديها أقل معدلات من السمنة. حالياً، تركز البنية التحتية الحضرية وسياستها في الغالب على وسائل النقل الميكانيكية. ومع النمو الاقتصادي، وزيادة الرغبة في البناء وارتفاع الطلب على الأراضي بسرعة، تتمدد المدن وتزداد في المقابل أعداد السيارات، وفي وقت لاحق، يصبح شكل المدينة، والطريقة التي يتنقل بها الناس داخلها غير مشجعة على استخدام وسائل انتقال مختلفة عن المعتاد. وبجانب عدم تشجيع النشاط والحركة في أنماط الحياة القائمة حالياً - وبالتالي زيادة عوامل السمنة -، يسبب الاستخدام المستمر للسيارات مشاكل أخرى كالتلوث وما ينجم عنه من آثار على صحة السكان. ويمكن للنموذج الجديد أن يحارب السمنة من خلال تحفيز السلوكيات الصحية، إذا كان هناك الخيار من البداية من جانب البيئة التي يعيش فيها الناس، فسيكونون أكثر إقبالاً على التنقل النشط. الهدف من النموذج ليس تكوين عدة مناطق مختلفة منعزلة عن بعضها يتوجب فيها على سكان كل منطقة البقاء فيها، كما لا تهدف إلى القضاء على وسائل النقل الميكانيكية، لكن المهمة الرئيسية للنموذج هي توفير فرص للنقل النشط يمكن إغراء الناس فيه باختيار نمط حياة صحي. ومع ذلك، فلا نقول إن النموذج هو علاجٌ شافٍ وكامل لكل المشكلات، أو أنه لن تكون هناك صعوبات في تنفيذه، ففي المدن القائمة التي بُنيت بيئتها بشكل كبير يعد التعديل أمراً مطلوباً إلى أنه قد يكون مكلفاً. وفي الدول النامية سيكون من الصعب على السلطات المسؤولة الحصول على الدعم المادي والسياسي اللازم لتحفيز المشروع، إذ سترى بعض الأحزاب والجهات أن خضوع المدن للتنمية أهم بكثير من الطريق التي يحدث بها ذلك. وفي هذا السياق، يعد تطبيق نموذج بناء المدن الجديدة حلاً أفضل، كما أن هناك إدراكاً متزايداً للمنافع المتعددة له من تقليل نسب الكربون وزيادة رأس المال الاجتماعي. في أبسط مستوياتها، تظهر مشكلة السمنة نتيجة للفارق بين السعرات الحرارية المستهلكة، وتلك التي يتم حرقها، ولكن ما يختاره الناس للأكل وما يفعلونه مع السعرات الناتجة يعتمد بالأساس على عدة عوامل متفرقة كالعمر والعرق والحالة الاجتماعية والاقتصادية والذوق الفردي. ومع ذلك، تظل تلك البيئة الجديدة بمثابة القاسم المشترك بين تلك العوامل المتباينة، وأياً كانت الاستراتيجية فيجب أن تشمل كل المساحات التي نعيش فيها ونحدد فيها خياراتنا. هذا الموضوع مترجم عن موقع مجلة Forbes. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط .
مشاركة :