تُراجع الكثير من الأحزاب الشيوعية واليسارية، تاريخها والمبادئ الستالينية التي انتهجتها طوال عقود، إذ يرى بعض الباحثين في التراث الماركسي، أن الستالينية هي المرحلة التي جاءت بعد موت لينين، واستمرت بعد موت ستالين حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، ولا يُقصد بها فقط فترة حكم ستالين، بصفته أمين عام الحزب الشيوعي السوفييتي رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، بل هي نمط الدولة البيروقراطية، وإلغاء التعددية في الحزب وتحول الحزب إلى دولة، وتحول القائد إلى حزب وإلى دولة. فلم يتم منع التكتلات في الحزب، إلا بعد نجاح الثورة في العام 1921، وذلك بشكل موقت ريثما تتجاوز الثورة أصعب مراحلها، بعد الحروب الداخلية والخارجية، والتدخلات الأجنبية والدمار الاقتصادي والمجاعة والأمراض المتفشية، وقد كان ذلك تكتيكاً مؤقتاً بيد أنه أصبح في المرحلة الستالينية استراتيجية دائمة. وأصبح هناك بحث جاد ومراجعة للأدب الكلاسيكي الماركسي، بما فيها الكتابات التي لم تنشر لماركس، التي استكمل فيها مؤلفه رأس المال، وكتابات لينين حيث ما نشر من مجلدات هو مختارات وليس الأعمال الكاملة، كذلك يجري الاهتمام بكتابات تروتسكي، حيث كان يعتبر البحث فيها من المحرمات في المرحلة الستالينية، سواء في الاتحاد السوفييتي أو في الأحزاب الأوروبية أو العربية. وقد صدر باللغة الإنجليزية آخر مؤلفات تروتسكي، غير المكتمل بسبب اغتياله بطريقة وحشية، وهو يحمل عنوان «ستالين»، أضيفت له أكثر من 100 ألف كلمة، جمعت من الوثائق الروسية والإنجليزية، حيث ازدادت الطبعة بأكثر من ثلاثين في المئة، عن طبعة 1946، والكتاب يتحدث عن سيرة ستالين وتركيبه السيكلوجي والشخصي. وقدم لهذه الطبعة المنظر التروتسكي القائد للتيار الماركسي والأممية آلان ودز، الذي تحدث عن مرحلة انحطاط الثورة الروسية، إذ يقول إنه في كل ثورة هناك مراحل بطولية، تنتج عمالقة وتكون فيها الجماهير منخرطة بشكل نشط، فالثورة الفرنسية في مدها أنتجت روبسبير ودانتون ومارت، إذ تحتاج الثورة في هذه المرحلة إلى نوعية معينة من الأفراد والمؤهلات والنظرة الشاملة، أما في مرحلة الجزر حيث تكون الجماهير منهكة فتظهر مؤهلات من نوعية انتهازية ووصولية ومنافقة وتفتقر للإبداع، مثل فوشيه الوصولي والضئيل والمخبر البوليسي. وكذلك في الثورة البلشفية وجد عمالقة مثل لينين وتروتسكي وبوخارين ورزينوفييف، أما فترة انحطاط الثورة فقد جاء فورشيلوف ومولوتوف وفيجينسكي المنشفي السابق، الذي أصبح المدعي العام في محاكمات موسكو الشهيرة. ولا يعتقد ودز أن ستالين هو سبب الانحطاط، بل مجموعة الانتهازيين والضعفاء الذين حوله، كانوا يحتاجون إلى شخص مثل ستالين ليقود مرحلتهم، مثل النازية عندما أتت بهتلر أو الفاشية التي أتت بموسليني، وهم أشخاص يجسدون الانحطاط الأخلاقي والوضاعة المعنوية على حد تعبير آلان ودز. كتاب ستالين لليون تروتسكي، يستحق القراءة والاطلاع عليه بعقل مفتوح. osbohatw@gmail.com
مشاركة :