حين ألقت الشرطة البريطانية القبض على "ستيفن جريفثس"، أحد أشهر السفاحين في إنجلترا، وجدوا في غرفته أشرطة فيديو ومقالات وكتب عن الجريمة والرعب، وقاموا بنشرها في وسائل الإعلام، فلو لم يكن لهذه المواد الإعلامية أي تأثير، فلماذا ارتكب هذا القاتل أكثر من جريمة؟ ولماذا تكشف السلطات في أكثر من دولة، منها المملكة، عن وجود مواد تشجع على العنف، مثل ألعاب الكمبيوتر وغيرها ضمن ممتلكات الجناة؟ ولو لم يكن للإعلام تأثير، فلماذا أصبحت معايير الجمال في عصرنا الحالي متشابهه جدا، وكلها مأخوذة من مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي؟ ولو لم يكن للإعلام تأثير، فلماذا نتسابق لتصوير أفخم مانمتلك بكاميرات هواتفنا، ولسان حالنا يقول "شوفوا اللي عندنا"، حتى بات الاستعراض بالماديات أسلوب حياة لكثير منا، وإذا كان للإعلام تأثير فإلى أي مدى ترسخ فينا القيم التي نتعلمها مما نشاهد أو نقرأ؟ وكيف يمكن للباحثين في الإعلام قياس ذلك؟. في مقالة كتبها البروفوسور "جيم تايلور" على الهافينجتون بوست، حملت عنوان "الإعلام يدرّس أطفالك أفكارا سيئة"، يذكر فيه أن الناشئة أسرع من البالغين في تعلمهم من الإعلام أفكارا مغلوطة. ويدّعي "تايلور" أن أحد هذه الأفكار "النجاح مقابل أي شيء"، إذ يتنازل بعض الناس عن قيمٍ يؤمن بها ومبادئ يدرك صوابها، وأحيانا يتخلى عن محبين وأصدقاء مقابل أن ينجح في أمر ما. فيما يخص النجاح الدراسي تحديدا، تناقش إحصائية في المقال نفسه، ارتفاع معدل الغش في أميركا قبل وبعد النهضة الإعلامية من 25% في الستينات إلى 75% بعد سنة 2000. والجريمة والمادية والغش والتعطش للشهرة، كل هذه ليست سوى أمثلة -مُثبتة إحصائيا- على التأثير السلبي المحتمل للإعلام، في حال لم تتم إدارته من مختصين عقلاء، للتقليل من مظاهر التنميط المغلوطة فيه، ويعززوا المفاهيم السوية والوسطية. الغريب، أن المكتبات الأوروبية زاخرة بدراسات التأثير الإعلامي، إلا أنها لا تحظى في الخليج بأهمية كبيرة، وهو ما يجعل مستوى تأثرنا بالإعلام غير معروف، ولكن المتوقع أنه مرتفع جدا، لأن متوسط ما يقضيه المواطن الخليجي على الإعلام الرقمي، ثماني ساعات يوميا تقريبا، فيما يقضي بقية سكان الأرض أربع ساعات يوميا كمعدل متوسط. ويُلاحظ أن الأبحاث العربية المنشورة بهذا الخصوص قليلة، وتقتصر على التأثير على الناس، دون النظر إلى كيفية تأثر المؤسسات والقطاعات في الإعلام، أضف إلى ذلك عمومية الأبحاث العربية المختصة في هذا الشأن، إذ يمكننا، كمهتمين بمجال التأثير، التركيز على زاوية ضيقة مثل محطة إعلامية بعينها خلال سنوات محدودة، وغير ذلك كثير من السبُل والطرق التي تضمن الدقة في قياس مدى تأثرنا بالإعلام. في بريطانيا مثلا، تُنشر كثير من الأوراق العلمية، بواسطة "لجنة الرياضة والإعلام"، و"منظمة الصحافة المستقلة"، والمثقفين، كل عام حول التأثير الإعلامي، ويتم التعامل معها بشكل جدي على الصعيد الحكومي، إذ تُفرض بناء عليها إجراءات جدية لعل آخرها ما عوقبت به جريدة "ذا سن"، بعد نشرها خبرا بعنوان "واحد من كل خمسة مسلمين يتعاطف مع داعش"، وكانت مبررات مقدمي الشكاوى، والذين قُدّر عددهم بثلاثة آلاف شخص، تتمحور حول التأثير السلبي على المسلمين في بريطانيا، وتعايشهم مع الأديان الأخرى، إضافة إلى تناقض محتوى الخبر مع العنوان.
مشاركة :