إلى مدينته الرمادي عاد سعدي محمد رمضان، المواطن الأنباري من رحلة نزوح استمرت لأكثر من سنتين قضاها مع عائلته الكبيرة المتكونة من 25 فردًا في مخيمات النزوح بمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان ليجد داره قد سويت تمامًا بالأرض. احتار الرجل أين يذهب بأهله بعد هذه الكارثة خصوصًا أن غالبية الدور في المدينة هي ليست بأحسن حالاً من داره. قال رمضان (69 عاما) في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لحظة وصولي إلى المنزل كانت فاجعة بالنسبة لي ولجميع أفراد عائلتي، فمنذ الوهلة الأولى شعرت بأن ذكرياتي كلها قد تهاوت مع جدران المنزل الذي فنيت العمر من أجل تشييده، أحسست على الفور بالغربة في وسط الأهل، تقاطرت دموعي صعدت فوق ركام الدار الذي أصبح عبارة عن أنقاض وأنا أسمع عويل وبكاء أهلي من خلفي، لم أكن أعلم أني سوف أواجه هذا الموقف حين قررت ترك الخيمة التي كانت تؤوينا في مخيمات النازحين، التفتُ يمينا وشمالاً فوجدت الكثير من البيوت في نفس الحال، اتصلتُ بجيراني لأخبرهم بما جرى لمنطقتنا لكي يحسبوا حسابهم، ولا يخسروا أماكنهم التي تؤويهم هناك، لأني نادم على العودة لأني أصبحت في حيرة من أمري كيف سأتولى معيشة أبنائي وأين سأذهب بهم». وأضاف رمضان: «قررت أن أبحث عن منزل للإيجار لكن لم أتمكن من الحصول على بيت فالعائلات أكثرها وجدت بيوتها متضررة بالكامل، اتصل بي أحد الموظفين في جمعية الهلال الأحمر وزودني بخيمتين نصبتهما قرب أطلال البيت المدمر وها أنا أعيش في ظل ظروف قاهرة جدًا مع ارتفاع درجات الحرارة». نازح آخر عاد مؤخرا إلى الرمادي طلب الإشارة إليه بـ«أبو عبد القادر» وجد هو الآخر منزله شبه مدمر فقرر بناءه مجددًا. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعول أبدا على الحكومة المحلية في الأنبار وعلى الحكومة المركزية في مساعدتنا أو تعويضنا من أجل إعادة إعمار مناطقنا المدمرة بالكامل، وها أنا اليوم قمت باقتراض مبلغ من أحد الميسورين وبدأت بإعمار بيتي من جديد كما بنيته في المرة الأولى، وحسبنا الله ونعم الوكيل». وبينما تواصل الآلاف من العائلات العائدة من رحلة النزوح إلى مناطقها في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار تقف حكومة محافظة الأنبار ومجلسها المحلي في حيرة كبيرة لتهيئة الأحياء السكنية والمناطق التي تم تحريرها من قبل القوات الأمنية العراقية التي تعرضت غالبيتها إلى الدمار وأصبحت عودة السكان بكامل تعدادهم معضلة أمام الحكومتين المحلية والمركزية بعد أن تعرضت أكثر من عشرة أحياء سكنية للدمار بينها خمسة أحياء تعرضت للدمار الشامل بنسبة 95 في المائة. باحثون ومختصون ومسؤولون حكوميون يرون إن إعادة الإعمار تتطلب جهودًا دولية فحجم الدمار يعد بالكارثي، البنى التحتية للمدينة قد دمرت بالكامل والحياة قد انهارت بشكل مؤلم في أحياء البكر والضباط وحي المعلمين وحي الأرامل وحي العادل، فجميعها قد سوّيت بالأرض وعملية إعادة بنائها وتأهيلها يتطلب جهد سنين، وما سيخلفه رحيل الأهالي عن مناطقهم سيكلف الكثير الكثير، وقال عضو مجلس محافظة الأنبار، ورئيس لجنة الإعمار في المحافظة المهندس أركان خلف الطرموز، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن حكومة الأنبار المحلية «تسعى لاطلاع الرأي العام على نسبة الأضرار الهائلة التي تعرضت لها المدينة، بعد أن قدمت اللجان المختصة تقريرها لحجم الأضرار الناجمة من أجل الإسراع في تقديم المنح المالية لإعادة إعمار المدينة التي أصبحت مدينة أشباح كون البنى التحتية للمدينة مدمرة بالكامل، حيث طال الدمار أكثر من 85 جسرًا يقع قسم منها على نهر الفرات والقسم الآخر على الوديان غربي المحافظة، وأكثر من 40 حيا سكنيا شهدت تدمير أكثر من 38 ألف دار سكنية والعشرات من المباني الحكومية وتم تفكيك الكثير من المعامل الحكومية الكبيرة في مدن كبيسة والقائم ونقلها إلى سوريا من قبل تنظيم داعش، لذا فإن مدينة الرمادي وحدها قدرت لجنة الإعمار في الأنبار الكلف التخمينية لإعادة إعمارها وتأهيل الأحياء السكنية والجسور والمباني الحكومية التي تم تدميرها إثر العمليات العسكرية بما يزيد على الستة مليارات دولار أميركي».
مشاركة :