سمارة محمود سمارة * منذ وقت مبكر وانطلاقاً من القناعة بأن النفط سينضب يوماً ما بدأت دولة الإمارات تجربة تنويع مصادر الدخل في اقتصادها الوطني وتخفيف العبء على اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي. وعلى هذا الأساس تحقق إنجازات على قطاعات الصناعة والطاقة والاتصالات والسياحة والأدوية والبنى التحتية والخدمات المالية وغيرها من القطاعات المهمة للاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، حيث بدأت دولة الإمارات ببناء نموذج تنموي مستدام لا يكون مرتبطاً بالنفط وتقلباته في الأسواق العالمية وظروف العرض والطلب في الوقت الذي استخدمت أموال النفط في بناء اقتصاد متوازن قادر على النمو في حين شاركت دولة الإمارات في كثير من المؤتمرات التي تدعم أهداف التنمية المستدامة التي تعتبر من أولويات الاستقلال الاقتصادي وتقليص التبعية الاقتصادية. وفي إطار الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط انطلقت في يناير/كانون الثاني 2016 الخلوة الوزارية الموسعة التي أعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لوضع استراتيجية تنموية لمرحلة ما بعد النفط، وناقشت سبل تطوير الاقتصاد بمختلف قطاعاته. واليوم أصبح 70% من الاقتصاد الوطني للإمارات غير معتمد على النفط علماً بأنها كانت أقل الدول إقليمياً تأثراً بتدهور أسعار النفط. إن تنويع مصادر الدخل يعتبر خياراً استراتيجياً لدولة الإمارات وقد قطعت شوطاً كبيراً لتحقيق ذلك مما يضمن حماية المكتسبات التنموية، وتسعى الأجندة الوطنية للدولة لتحقيق تنمية مستدامة على صعيد البنى التحتية للمطارات والموانئ والطرقات، والاتصالات والكهرباء وغيرها. فكل ذلك مؤشرات تدل على التقليل من الاعتماد على النفط. وكان لقطاع الصناعة النصيب الأكبر في التحول إلى تنويع مصادر الدخل من خلال الاستثمار في القطاع الصناعي وقد صدر قانون تنظيم شؤون الصناعة ومنحت المشاريع الصناعية إعفاءات من الرسوم الجمركية على وارداتها من آلات ومعدات وقطع غيار ومواد بناء والمواد اللازمة للإنتاج عامة وإعفاء صادراتها من رسوم التصدير بالإضافة إلى عدم وجود ضرائب على أرباح المشاريع الصناعية. وفي قطاع الاستثمار في المناطق الحرة التي تقدم امتيازات تجذب المستثمرين الأجانب والشركات العالمية حيث تحتضن الإمارات أكبر عدد من المناطق الحرة إقليمياً بما في ذلك فرصة التملك. كان لهذا الاستثمار نصيب كبير في دعم تنويع مصادر الدخل. وكما ذكر تقرير الاستقرار المالي 2015 الذي صدر مؤخراً عن البنك المركزي الإماراتي أن تنويع الأنشطة الاقتصادية ساعد على تخفيف آثار تقليص الإنفاق الحكومي. ومنذ أيام كان هناك إنجاز علمي هام استكمالاً للاستثمار في مجال الطاقة النظيفة عندما اختتمت طائرة (سولار أمبلس 2) بهبوطها الناجح على أرض دولة الإمارات بعد رحلة تاريخية باستخدام الطاقة الشمسية. في قطاع السياحة والطيران كان هناك إنجازات ساهمت في الناتج المحلي وحققت نقلة نوعية على الخريطة السياحية، حيث صعدت الإمارات للمرتبة 24 من بين 141 دولة شملها تقرير تنافسية السفر والسباحة للعام 2015 والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا بصعود 4 درجات عن التقرير السابق. أما في قطاع الطيران فيلاحظ التطور السريع للناقلات الوطنية طيران الإمارات والاتحاد وطيران العربية وفلاي دبي والأعداد التي تنقلها تلك الخطوط الوطنية كما أن هناك طلبات لطائرات تصل قيمتها إلى 165 مليار دولار حسب ما أعلن مما يشكل نقلة نوعية لها. كما أن الشارقة حاضنة السياحة العائلية وعاصمة السياحة العربية لعام 2015 والتي تشهد تطوراً سريعاً في هذا القطاع حيث تم افتتاح المزيد من المنشآت الفندقية والمنتجعات للارتقاء بهذا القطاع إلى مستويات أعلى وأيضاً من خلال مشاركتها في معظم معارض أسواق السفر العالمية لإبراز دورها على الخريطة السياحية. كما شهدت التجارة الخارجية غير النفطية استقراراً خلال عام 2015 رغم تباطؤ الاقتصاد العالمي والبيانات الإحصائية للهيئة الاتحادية للجمارك تقول إن التجارة غير النفطية المباشرة لدولة الإمارات من يناير 2015 ولغاية سبتمبر/أيلول من نفس العام بلغت 792 مليار درهم رغم الأزمة الاقتصادية التي شهدتها الكثير من دول العالم. إن استضافة الإمارات لإكسبو 2020 وهو المعرض الاقتصادي والتجاري والاستثماري الأكبر والأهم على مستوى العالم الذي سيمثل إضافة نوعية للاقتصاد الإماراتي يصب في هذا الاتجاه. وقد ذكر تقرير لصندوق النقد العربي أن استمرار دولة الإمارات في الإنفاق على المشروعات الكبرى رغم انخفاض أسعار النفط يعتبر إحدى الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني. إن كل ذلك ليس شعارات بل هو حقيقة ملموسة على الأرض. *خبير مالي.. عضو جمعية المحاسبين ومدققي الحسابات
مشاركة :