كان الألم يعتصر العداء السعودي مخلد العتيبي وهو يتحدث بمرارة بدت واضحة على ملامحه وفي حشرجة صوته بعد خروجه بدقائق من تصفيات سباق خمسة آلاف متر في أولمبياد ريو دي جانيرو، قال كلاماً موجعاً لم نسمعه من غيره من الرياضيين؛ لربما طوال تاريخ الرياضة السعودية، وعلى الرغم من ذلك فقد بدا متماسكاً وعقلانياً ومتزناً وهو يتحدث، ولو لم يكن كذلك لسمعنا كلاماً تتزلزل منه الساحة الرياضية، ولأصبحت فضيحتنا في الأولمبياد على كل لسان. ما قاله مخلد من نقدٍ قاسٍ للواقع الرياضي لم يكن ردة فعل لخسارته فقد جاء للبرازيل وهو يعرف مآل مشاركته، ولا ينتظر ضربة حظ ليفوز بميدالية، فهو أول من يدرك أن اللعبة قائمة على الأرقام، كما لم يكن كلامه هروباً إلى الأمام، وهو البطل الذي تفانى في إهداء وطنه الإنجازات القارية، لذلك بدا واضحاً أنه صادق في كل حرف نطق به، بل في كل عصرة ألم بدت عليه. مخلد الذي يشارف على الأربعين من عمره، والذي التصقت قدماه بالأرض طوال 20 عاماً عاشها في مضامير ألعاب القوى قال بوضوح: أنا ابن للعبة منذ 1996 وأقول إن رياضتنا تحتاج إلى خطة عمل، ومشروع دولة، نحن نتحدث عن دورة أولمبية، وليس عن دورة آسيوية أو عربية أو خليجية، أنا لا أتحدث من خلف الشاشات بل من على أرض الواقع. ويضيف وقد بدا متحوطاً من خروج كل الماء من فمه: هل هذا الأمر موجود في دولنا أو غير موجود؟، أنا مجرد لاعب أؤدي واجبي وأمشي، لست مقيماً ولا ناقداً ولا مشجعاً. أتمنى أن يكون هناك تصحيح فعلي وليس مجرد كلام. رسالة مخلد التي صاغها بألم الواقع السعودي في الأولمبياد كانت موجهة بشكل واضح لأكثر من جهة، فهو يخاطب المسؤولين السابقين على الرياضة حين قال إننا كنا نسير طوال السنوات الماضية بلا خارطة طريق، وفي اتجاه لا يؤدي إلا إلى المجهول، ولذلك كان طبيعاً ألا نخرج من متاهة إلا لندخل في أخرى، ويقول فيها أيضاً أن ما يصرف على رياضتنا مالياً، وما يوضع لها من برامج لا يتوافق مع الرغبة في المنافسة العالمية، ولم ينسَ أن يوجه رسالته لحاملي مفاتيح المسؤولية عن رياضتنا اليوم، ولعله قصد الأمير عبدالله بن مساعد مباشرة حينما تمنى أن يكون التصحيح فعلياً وليس مجرد كلام. مخلد بتصريحه الذي طارت به الركبان لم يخترع العجلة، فهذا الكلام قلناه غير مرة، وفي أكثر من مناسبة؛ لكن الفرق أن مخلد الرياضي المنجز علق الجرس من الداخل، إذ قال في أكبر تظاهرة عالمية ما لم يقله غيره؛ وهو بذلك ينعى الماضي الأليم الذي عاشه، ويتمنى للحاضر والمستقبل وهو الذي يستعد لخلع حذائه للأبد أن يكون أفضل. مخلد أيضاً ومن دون أن يُسّمي فقد ألمح إلى مشروع ذهب 2022 الذي تعمل عليه اللجنة الأولمبية حالياً، والذي ارتقينا معه فضاء الأحلام الوردية؛ إذ وضعه على المحك، وهو الذي نتمنى أن يأخذنا للسكة الصحيحة، وألا تأتي ساعة الحصاد فيخرج لنا مخلد آخر ليقول لنا من جديد كما قال: أتمنى أن يكون هناك تصحيح فعلي وليس مجرد كلام!.
مشاركة :