توتر العلاقات بين الصين وبريطانيا قد يطيح بـ «العصر الذهبي الاقتصادي» للبلدين

  • 8/21/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

قبل عام تقريبا وتحديدا في شهر أكتوبر من العام الماضي، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة تاريخية لبريطانيا، الزيارة في حينها توجت بما بات يعرف رسميا بانطلاق "العصر الذهبي" بين البلدين، وسط تفاؤل غير مسبوق بآفاق واعدة للعلاقات الاقتصادية، واستثمارات صينية بالمليارات في بريطانيا، وتعهد لندن بنقل التكنولوجيا الحديثة للصين لإحداث طفرة اقتصادية بها. عشرة أشهر وكان التراجع في العلاقة بين البلدين يتطلب من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن تبعث برسالة إلى كل من الرئيس الصيني ورئيس الوزراء، تؤكد فيها حرص لندن على إقامة علاقة اقتصادية متينة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. فلماذا لم تكن بدايات "العصر الذهبي" ذهبية كما توقع عديد من المختصين؟ وهل تمر العلاقة بين الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبريطانيا خامس أكبر اقتصاد، بوعكة مؤقتة سيتم تجاوزها من قبل الطرفين، أم أنهما اكتشفا أن تفاؤلهما كان مبالغا فيه، وأن هناك عديدا من المجالات التي ترغب الصين في الاستثمار فيها، تعد بالنسبة لبريطانيا مجالات أمنية محظورة، وأن تعهد لندن بنقل التكنولوجيا المتطورة لبكين كان قرارا متسرعا منذ البداية، وما ترغب بريطانيا في تقديمه للصين، ينظر لها الصينيون باعتبارها تكنولوجيا قديمة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تشبع رغبتهم في التهام أحدث مستجدات التكنولوجيا الغربية. من جهته، اعتبر البروفسير هاري التون أستاذ الاقتصاد الآسيوي في جامعة كامبريدج والمدرس في جامعة هونج كونج، أن درجة من التسرع والمبالغة حكمت وضع أسس لعلاقات اقتصادية جديدة قوية وراسخة بين البلدين، وإن الأمر كان يتطلب مزيدا من التأني. وأضاف لـ"الاقتصادية": "إن المشكلة برزت عندما اتخذت رئيسة الوزراء البريطانية قرارا بتأخير الموافقة على مشروع بناء محطة طاقة نووية في بريطانيا باستثمارات صينية تبلغ 18 مليار دولار، وذلك بسبب قلق تريزا ماي من تداعيات استثمار الصينيين في هذا المجال الحيوي على الأمن القومي البريطاني". وتابع، "الصينيون كانوا يعتقدون أن بريطانيا وبتدشين العصر الذهبي معهم تضع حجر الأساس لعلاقات اقتصادية مميزة بين الجانبين، تؤدي بنهاية القرن الحالي إلى إحداث تحول جذري في علاقات بريطانيا الخارجية، بما سيتضمنه ذلك من تغير تدريجي تتحول بمقتضاه العلاقات الخاصة الراهنة بين واشنطن ولندن من اعتبارها حجر الزاوية في العلاقات السياسية والاقتصادية البريطانية الخارجية، إلى علاقات خاصة مع الصين تقوم على معادلة الاستثمار (الصيني) مقابل التكنولوجيا (البريطانية)، ولكن هذا لم يحدث". من ناحيته، لا يختلف الباحث في الشؤون الآسيوية توماس جروس عن وجهة النظر تلك، مبيناً أن الصينيين شعروا أن علاقاتهم الاقتصادية مع بريطانيا رهينة للعلاقات الصينية – الأمريكية، فتوتر العلاقات بين واشنطن والصين في منطقة بحر الصيني الجنوبي دفع بلندن إلى فرملة علاقاتها الاقتصادية مع بكين، تخوفا من أن تتصاعد نبرة العداء بين واشنطن وبكين، ومن ثم يمكن أن تستخدم الصين مشروعا اقتصاديا مؤثرا مثل المحطة النووية للضغط على لندن لتبني مواقف دبلوماسية داعمة لها". ومع أن الجانب الصيني أبدى امتعاضه من الموقف البريطاني بتأجيل اتخاذ قرار بشأن استثمار الصينيين في محطة الطاقة النووية، إلا أن بكين تدرك تماما أن تطورات الموازين الاقتصادية تبدو في مصلحتها، وبما قد يدفع بريطانيا إلى تقديم تنازلات اقتصادية مستقبلا. وتصويت الناخب البريطاني لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، دفع بلندن للبحث عن أسواق جديدة لاستيعاب منتجاتها، ولا شك أن قطاعا كبيرا من رجال المال والأعمال في بريطانيا يراهنون على إمكانية توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع الصين، وهو الأمر الذي أكده وزير المالية فيليب هاموند. مع هذا لا تزال تجد بعض الأصوات المتشائمة بين رجال الأعمال البريطانيين بشأن ما يحمله المستقبل الاقتصادي لبلدهم مع الصين. بدوره، قال لـ"الاقتصادية" بريت ارليند؛ رجل أعمال بريطانيا وعضو غرفة التجارة البريطانية، إن "حجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي بلغ العام الماضي 564.85 مليار دولار وحجم التبادل التجاري مع بريطانيا وصل إلى 78.54 مليار دولار، وفي عام 2014 بلغ العجز في الميزان التجاري لمعاملتنا المالية مع الصين نحو 19.6 مليار جنيه استرليني لمصلحة بكين". وأضاف، أن "الصين تستوعب 3.6 في المائة من صادراتنا بينما 7 في المائة من وارداتنا تأتي من هناك، لتحتل الصين بذلك المرتبة السابعة في قائمة البلدان التي نصدر لها، والثالثة بين البلدان التي نستورد منها، لكن توقيع اتفاقية تجارة حرة مع بكين يبدو أمرا صعبا، فالصينيون يكرهون حالة عدم اليقين السائدة في الاقتصاد البريطاني منذ التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي". وتابع "إنه ثاني أحد الأسباب المغرية للصينيين للاستثمار في لندن، أن بريطانيا كانت تمثل نقطة انطلاق للاتحاد الأوروبي ككل، هذا لم يعد موجودا، ومن ثم لن يحفزهم على القيام باستثمارات كثيفة في بريطانيا، وثالثا تدهور قيمة الاسترليني الذي تراجع بنحو 10 في المائة يعني أن الاستثمارات الصينية خسرت نحو 10 في المائة من قيمتها في بريطانيا، وهذا أمر غير مشجع". وأضاف بنبرة تشاؤمية، "أتوقع أن توقيع اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين قد يتطلب بين خمسة إلى عشرة أعوام، وأخشى أن يكون العصر الذهبي للعلاقات بين البلدين قد تحول إلى عصر السلحفاء". مع هذا فإن وجهة النظر الرسمية داخل المؤسسات المالية والتجارية البريطانية، تعتقد أنه يجب العمل بكثافة على حل أي خلافات تبرز مع الجانب الصين، نظرا لما تمثله الصين من قوة استثمارية لا غنى لبريطانيا عنها في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. من ناحيته، قال لـ"الاقتصادية" المصرفي البريطاني تشارلز بيل، إنه "رغم التوتر الحادث في العلاقات الاقتصادية حاليا بين الطرفين، فإن الروابط المالية بينهما في تنام، فالصين مستثمر رئيس في بريطانيا في مجال العقارات، وحاليا بعض المصارف الصينية افتتحت فروعا لها في بريطانيا بما في ذلك بنك الإنشاء الصيني وبنك الصين، والعلاقات المالية بين بكين ولندن أقوى من علاقة بكين بأي دولة أوروبية أخرى، وخلال النصف الأول من العام الجاري اشترى الصينيون حصصا في 17 شركة بريطانية بنحو 2.3 مليار دولار، وهو تقريبا يساوي قيمة مشترياتهم من حصص في الشركات البريطانية خلال عام 2015، وذلك يعد مؤشرا على أن الصينيين يعتبرون بريطانيا مركزا رئيسا لاستثماراتهم مستقبلا". وتشير الأرقام الصينية الرسمية إلى أن استثمارات الصين المباشرة العام الماضي في مجمل القارة الأوروبية زادت عن استثماراتها في قارة أمريكا الشمالية بنحو 35 في المائة، وبلغت في مجمل القارة الأوروبية 23 مليار دولار، وقد نالت منها بريطانيا نحو 3.3 مليار دولار ليسبقها كل من إيطاليا 7.8 مليار دولار وفرنسا 3.6 مليار دولار. فيما قال لـ"الاقتصادية" الدكتور روبرت فرانك أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة اكسفورد، بشأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، "الاستمارات الخارجية الصينية حول العالم قفزت من 20 مليار عام 2005 إلى 171 مليار عام 2014، واستمارات الصين في بريطانيا تقارب حاليا 30 مليار دولار، وعندما نتحدث عن الصين، ورغم التراجع الراهن في معدل النمو الاقتصادي، فإنه بين أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم تمتلك الصين ثلاثة منها، بأصول مالية تزيد على 1.5 تريليون دولار، إذا دولة بتلك القوة الاستثمارية الهائلة، وباستثماراتها الراهنة في بريطانيا سيصعب على لندن ألا تبحث عن تفاهم معها بشأن النقاط الاقتصادية والاستثمارية محل الخلاف". وأضاف أن "العلاقات لا تزال قوية وإن انتابها أخيرا بعض الوهن، وهذا سيتطلب من بريطانيا خاصة عدم اليقين المهيمن على الأسواق الداخلية في أعقاب استفتاء الاتحاد الأوروبي، والموقف من استثمار الصين في المفاعل النووي، فإن بكين ستكون في حاجة إلى مزيد من التطمينات وربما الضمانات بأن خلط بريطانيا بين الاقتصاد والسياسة وقضايا الأمن القومي لن يكون عائقا مستقبليا أمام تعزيز التعاون المشترك، وبدون ذلك سيكون من الصعب أن نتوقع أن تضع بكين بريطانيا على قائمة مراكز الاستثمار العالمية التي ترغب في الاستثمار فيها".

مشاركة :