السجون مخزن حكايات ... وإتجار وصناعة ثروات

  • 8/21/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في رصد مساحات المآسي السورية المتواصلة، ثمة ملفات لم تتح لها فرصة النقاش العام، وبقيت طوال سنوات تناقش همساً وصمتاً، منها ملف المفقودين. بدأ هذا الملف فعلياً بالظهور بعد الصراع بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام حافظ الأسد في مدينة حماه عام 1982، إذ لا يزال حتى الآن أكثر من 17 ألف إنسان مفقودين. مع الرقم السابق، نستطيع إضافة عشرات الآلاف ممن فقدوا بعد بدء أحــداث الثورة السورية في منتصف آذار (مارس) 2011، والرقم الأكبر فقد في سجون النــظام، وهناك أيضاً آلاف المفقودين عند تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإسلامية المتشدّدة. في مناقشة الجانب الأول من هذا الملف، نتعرف إلى أحد أوجه الفساد الكبرى في بنية نظام الأسد، الأب والابن، حيث الرشى الكبيرة التي يطلبها كبار ضباط الأمن من الناس مقابل حصولهم على خبر، أو أي معلومة تخص حيوات أبنائهم. قصة فساد هائل مارسه مدير سجن تدمر السابق الضابط فيصل غانم، إذ كان يحصل على مبالغ خرافية من أجل خبر عن معتقل موجود عنده في السجن. هذا الفساد السياسي لضباط الأجهزة الأمنية في نظام الأسد الابن، يتكرر وفي صورة أكبر الآن، مع ازدياد أعداد المفقودين، وتحوّل هذا الملف إلى أخصب تجارة غير شرعية بالبشر. هناك أسر سورية دفعت ملايين من الليرات لتعرف هل ابنها حيّ أم ميت. وللأمر أيضاً وجه نفسي هائل الحزن، يتعلق بعدم تصديق كثر من الناس موت أبنائهم أو مقتلهم، فلا جثث وصلت ، ولا وثائق رسمية حصلوا عليها، فقط الآن هناك ممر بائس يتم من خلاله تقديم الأهل طلباً من طريق الشرطة العسكرية في دمشق لمعرفة مصير أبناء لهم فقدوا في السجون أو في المعارك، وغالباً ما يكون الجواب غير دقيق، فمنذ أيام قليلة عاد شاب الى أهله في مدينة سلمية بعد فقدهم له منذ شهور، وتبين أنه كان مسجوناً في سجن مطار حماه العسكري، وهو عسكري كان في خدمته الإجبارية وفقد في إحدى معارك إدلب. وفي وقائع هذا الملف النفسية، توجد حالات كثيرة لأمهات متن قهراً في انتظار أبنائهن المفقودين، ورفضن كلياً تصديق موتهم، وآباء كثر يعدّون الليالي في انتظار خبر ما. ومن الأمثلة الموجعة، أن صحافياً عمل في الإخراج الفني في صحيفة «تشرين» التابعة للنظام، فقد منذ أكثر من ثلاث سنوات على طريق دمشق - حرستا مع سيارته الخاصة، لم يترك والده نافذة أو باباً حكومياً إلا وطرقه ولم يعثر على أي خبر حتى الآن، وما زال هذا الأب ينتظر خبراً عن ابنه. ويعتبر أن عمره هو انتظار لهذا الخبر. وفي الزوايا الاجتماعية في مخيمات اللجوء وفي محافظات النزوح الداخلية، وقائع تقشعرّ لها الأبدان، عن شباب خرجوا من بيوتهم ولم يعودوا نهائياً. وعند نظام الأسد، لا توجد أبواب علنية تعطيك جواباً شافياً حول مصير المفقودين، وخريطة توزع حواجزه على الأرض وتبعيتها الأمنية والعسكرية لوحدها تكفل ضياع أي جواب في متاهات الرعب الأمنية. وتولد من المآسي مآس، فمن فقد أو غاب يترك وراءه عشرات المشاكل العقارية والإرثية بينه وبين أسرته، فلا هو ميت فيدفن في سجلات النفوس، ولا هو حيّ يرزق ليعرف أهله حلاً ما لقضية الإرث. وتحفل الحياة السورية الآن، بقصص عودة رجال فقدوا فوجدوا زوجاتهم تزوّجن من رجال جدد، فولدت المأساة مأساة. ورواية «القوقعة» للكاتب السوري مصطفى خليفة بكل مأسوية أحداثها، تصير الآن روايات لمآس في واقع هائل الرعب ضمن حرب مستمرة على الشعب السوري من النظام. بشر لا يصدّقون موت ذويهم ضمن مصائر مجهولة، وصندوق أسود هائل يلفه الغموض والتعقيد، وجنون سياسي مستمر من نظام أتقن صناعة الرعب والحرب والخوف. من يوقف الحرب الآن! على الأقل ليتوقف تدحرج هذا الملف الإنساني السوري.     * كاتب سوري

مشاركة :