المصالح هي التي تصوغ السياسات. هذه هي خلاصة الصورة للتحولات التي تشهدها تركيا، فيما يخص روسيا وإيران وسورية وإسرئيل. بقية التفسيرات التي تحاول تجاهل مجمل المواقف التركية الجديدة يمكن اعتبار أنها تندرج تحت قائمة التمنيات التي لن تتحقق. الحقيقة أن مواقف تركيا على لسان وزير خارجيتها، كانت تشير إلى هذه التحولات حتى في فترة ما قبل محاولة الانقلاب التي شهدتها إسطنبول. اتفقت مصالح تركيا وإيران في جوانب عدة من بينها قضية الأكراد، وكانت سورية هي الجائزة، إذ تراجعت تركيا عن سلسلة من مطالباتها فيما يخص الشأن السوري، بل أصبحت تتكلم عن خسائر ترتبت على قطع العلاقات مع سورية ومساع للتطبيع مع النظام. ومرر البرلمان في تركيا اتفاقية الصلح مع إسرائيل، وأصبحت العلاقات مع روسيا مزدهرة في أعقاب الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية. قراءة الصورة مكتملة، تفضي إلى ما بدأنا به هذه المقالة، أن الأتراك ـ وإن حاولت أطياف في عالمنا العربي تلوين هذه الحقيقة وتعويمها ـ استحضرت مصالحها الوطنية العليا، وقررت أن تراجع سياساتها التي أخذت بها خلال السنوات الماضية، ولم تحقق لها ما كانت تتطلع إليه من نتائج. في النهاية، عندما نعود بالذاكرة إلى بداية الثورة السورية، سنستحضر الوعود بالمن والسلوى التي كانت تقدم للثوار. مرت السنوات، أصبح معظم الشعب السوري لاجئا، وبقية الشعب جائعا وخائفا. وقررت تركيا أخيرا أن تسير صوب التطبيع مع النظام هناك. لا يمكن هنا توجيه اللوم والعتب لأحد، فالعالم كله تباينت مواقفه، وفي سنوات مضت كانت الدبلوماسية السعودية ممثلة بالأمير سعود الفيصل، يرحمه الله، تخوض سباق مسافات طويلة صوب باريس وسواها من أجل إقناع المجتمع الدولي بمزيد من الفاعلية، وكان عرب آخرون يخوضون سباقا مضادا من أجل تثبيط هذه المحاولات. لا لوم ولا عتب على تركيا. أما السوريون فأمامهم مسار يبدو أنه أصبح قصيرا، من أجل تحقيق تسوية الغالب المغلوب، التي ستكرس ما كان يمكن تكريسه دون كل هذه التضحيات والتشرد والقتل والعذاب وفقدان الأمن والجوع والغرق والاغتصاب ... إلخ تلك الحكايات التي أصبحت بمفرداتها تشكل أيقونة التغريبة السورية الأخيرة.
مشاركة :