اليمن.. ومفترق الطرق - علي حسن الشاطر

  • 2/11/2014
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

قدّم اليمنيون بلجوئهم إلى الحوار، ورفضهم للعنف، وتخليهم عن لغة السلاح والاقتتال، ونزوعهم نحو السلام، انموذجاً حضاريّاً فريداً سيكتب في أنصع صفحات التاريخ، وهم اليوم - وبعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل - يأملون أن تؤسس مخرجاته لعهد جديد من البناء والنظام والحداثة - سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً- وأن لا تتحول إلى كابوس، أو تؤسس لبؤر صراع جديدة بين اليمنيين، أو تؤدي إلى مزيد من تمزيق وتفتيت اليمن، وفي نفس الوقت يتطلعون للانطلاق نحو آفاق أوسع وأرحب وأشمل على درب مواصلة تفجير الطاقات الوطنية الخلّاقة في المجتمع، والتي ستحمل على عاتقها مسؤولية ضمان تحقيق كل التطلعات الوطنية، وتوجيه الجهود نحو بناء اليمن الجديد على أساس دستور يجسد تلك التطلعات، ويحظى بإجماع الشعب، ويؤكد الديمقراطية كنهج للتغيير ووسيلة للتعبير عن الإرادة الوطنية المستقلة المتحررة من كل أنواع الهيمنة والتسلّط، وتجنيب اليمن مخاطر الانهيار والتمزق والصراعات والحروب، وإتاحة المجال للمشاركة الشعبية الواسعة، وتحقيق مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية المتجردة من كل نزعات الاستحواذ على السلطة والثروة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان حرية الرأي، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، وحماية الحريات العامة والخاصة، وإيجاد قضاء عادل نزيه ومستقل كضرورات وطنية ملحة. لقد تحمل اليمنيون مصاعب جمّة على أمل أن تتوصل النخب المتحاورة إلى معالجات تنهي معاناتهم، وترسم معالم المرحلة القادمة التي يجب أن تتسم بالعمل الجاد والصادق من قبل كافة القوى السياسية والاجتماعية لتجسيد وتنفيذ المخرجات في الواقع وبأقل قدر من الخسائر؛ لأن اليمن - وكما قال الرئيس عبدربه منصور هادي - لايزال في مفترق الطرق المليئة بالأشواك والتعرجات ويحتاج إلى جهود صادقة لتهيئته ليتمكن الشعب اليمني من السير نحو الغايات المنشودة بسهولة ويُسر. ان ما سيبدد تلك المخاوف ويعزز الآمال أن يتضمن الدستور الجديد الذي ستتم صياغته في ضوء مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، التأكيد على وحدة اليمن وسلامة أراضيه أولاً، ثم أن يكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات، وأن يتحمل الجميع مسؤولية بناء وطنهم بعيداً عن الصفقات السياسية والمحاصصة الحزبية، وبما يضمن الانتقال باليمنيين من مرحلة البؤس والحرمان والفاقة إلى مرحلة تضمن لهم حياة كريمة في وطنهم وخارجه، وتُجنب الشعب اليمني مذلة الاستجداء ومهانة التسوّل لطلب المساعدات من الآخرين، في حين أن بلادهم غنية بالموارد المتنوعة والتي لا تتطلب سوى حُسن استغلالها واستخدامها على نحو يحقق لليمن الاعتماد على النفس والاكتفاء الذاتي ما أمكن، والذي لن يتحقق إلّا إذا تم تجفيف منابع الفساد والقضاء على كل أنواعه وأساليبه التي ساهمت في كبح التطلعات في أن يلحق اليمن بمن سبقه في التطور والتقدم والازدهار، وبالتالي شحذ الهمم الوطنية وتكاتف الجهود، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا فوق كل المصالح الحزبية والشخصية، وأن لا يعتقد أي طرف سياسي بأنه انتصر في مؤتمر الحوار لرؤاه وتوجهاته؛ لأن المنتصر الحقيقي في الحوار هو الشعب والوطن، وأنه لم يعد في يمن ما بعد الحوار من يمكنه الاستحواذ والسيطرة على مقدرات الوطن وإقصاء الآخر، أو عدم القبول به كونه يختلف معه في الرأي والتوجه، لأن الجميع سيكونون شركاء في المسؤولية الوطنية التي تحتم التجرد من كل الأنانيات ونزعات الغرور والاستعلاء والمكايدة التي لا تنم إلّا عن غباء وجهل، وعن ضيق في الأفق والرؤية لما يدور ويعتمل داخل الوطن ومحيطه الإقليمي والدولي من متغيرات تفرض التعامل معها بإيجابية، وبما تقتضيه المصالح العليا لليمن..

مشاركة :