استمرار تردي الأوضاع العامة في اليمن التي تسير من سيىء إلى أسوأ، وزيادة معاناة الناس، وانفلات الأمور إلى مستوى خطير أصاب الكثير من المتابعين والمراقبين والمحللين والمهتمين بالشأن اليمني بالحيرة والذهول، وعدم القدرة على التمييز بين ما هو قائم وبين عجز الحكومة وعدم وجود أي رؤية أو تصوّر لديها لإنقاذ اليمن، فالمواطن يشكو ويتذمر، والحكومة من جانبها تشكو وتعلن تذمرها مما يجري ومما آلت إليه الأوضاع، وكأنها ليست المعنية بإنقاذ اليمن من التدهور والتردي اللذين كان يقال انها مصابة بهما قبل أحداث ما سُمّي بالربيع العربي عام 2011، وأن مسؤوليتها بموجب المبادرة الخليجية هي إحداث التغيير المنشود الذي خرج من أجله الشباب، غير أنها أصبحت كالمستجير من الرمضاء بالنار، وأصبح العجز الكامل صفة ملازمة لها منذ تشكيلها، لعدم قدرتها على اتخاذ أي إجراء يردع أو يمنع أو يحد، إن لم تحقق شيئاً، بينما القوى السياسية سواء المشاركة في الحكومة، أو التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني، تبدو غير مكترثة بما يجري في البلاد، وكأنها تريد الاستفادة من الربح وتتجنب الخسارة، غير مدركة بأن مشاركتها في الحكم تفرض عليها العمل بفاعلية لانتشال اليمن من الوضع الذي يعاني منه، خاصة وأنها حملت على عاتقها مسؤولية تحقيق تطلعات ومطالب الشباب التي عبّروا عنها من خلال احتجاجاتهم الغاضبة، والتي ركبت موجتها الأحزاب واستغلت حماسهم، والتزمت بتحقيق تطلعاتهم في التغيير وترسيخ قيم الحرية والديمقراطية والعدالة، وإحداث نهضة تنموية شاملة يستفيد منها كل أبناء اليمن في كل المحافظات دون استثناء، وكفالة عيش كريم للجميع، وتوفير فرص عمل للشباب ولكل القوى العاطلة عن العمل، وجذب الاستثمارات وتنشيط السياحة وغيرها من الآمال الوردية التي وعد بها الشباب من الأحزاب والقوى التي ثبت أن همها الرئيس هو المزيد من النفوذ والسلطة والجاه والثروة، متنصلة عن مسؤولياتها في حشد كل قواها وطاقاتها لتجاوز الواقع المعاش، فالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تفرض عليها التعاون مع الدولة في معالجة كل القضايا وتجاوز الإشكالات والأزمات المحدقة باليمن، والقضاء على كل السلبيات والممارسات المخالفة للدستور والقوانين والأنظمة، سواء كانت من قبل جهات أو فئات أو أشخاص مهما كانت وجاهتهم ونفوذهم وسطوتهم، وأن توجه جهودها مع جهود الدولة وكل فعاليات المجتمع وكافة أبناء الشعب اليمني لمواجهة خطر الإرهاب الذي تعاني منه اليمن أكثر من أي بلد آخر، وتدفع أثماناً باهظة وغالية من حياة أبنائها ومن مقدراتها جراء تفشي هذه الآفة واتساع رقعة نشاطها وتنوع أعمالها الإجرامية، وتزايد أعداد عناصرها الوافدة من مختلف دول العالم التي يبدو أنها تريد معاقبة اليمن بإرسال متطرفيها إلى هذا البلد المسالم والمتطلع إلى حياة إنسانية كريمة كغيره من شعوب الأرض يسودها الأمن والأمان. إن معركة مواجهة الإرهاب، والتصدي لنشاط تنظيم القاعدة في اليمن لا يمكن أن تتحملها الدولة لوحدها، فهي معركة وطنية بامتياز، يجب أن يشارك فيها الجميع وفي المقدمة الأحزاب والقوى السياسية وكل فئات الشعب، وأن يتخلى البعض من المشايخ وزعماء الأحزاب عن إصرارهم في تقديم الدعم أو احتضان عناصر تنظيم القاعدة، وتوفير الحماية لهم وتشجيعهم على القيام بأعمال الإرهاب انطلاقاً من مناطقهم وأراضيهم وبمشاركة عدد من أبناء القبائل والأحزاب، ولا بد أن يتحمل الجميع المسؤولية في القضاء على هذه الآفة التي أضحت كالسرطان الفتَّاك في جسد الشعب اليمني المعتل أصلاً بفعل ممارسات بعض أبنائه، ونتيجة للأزمات المتلاحقة والصراعات العبثية بين قوى النفوذ والمصالح المتأبطة شراً بالوطن والمواطنين.
مشاركة :