إمبراطورية كسرى الشيوعية

  • 8/23/2016
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

أعادت طهران ترتيب نفسها عندما أنهكها الانغلاق على ذاتها ومقاطعة الغرب لها بمعاهدات ومصالحات مشروطة مع الاستفادة من تقارب وجهات النظر بينها وبين روسيا لتمضي في حلم السيادة الفارسية لم تجد إيران حرجا في التغاضي أمام روسيا عن أحد بنود دستورها الذي صدقته إبان الثورة الخمينية عام 1979، والذي ينص على أن: "تمنع إقامة أية قاعدة عسكرية أجنبية في البلاد حتى ولو كانت على أساس الاستفادة منها في الأغراض السلمية"، (المادة 146 في الفصل التاسع من الدستور الإيراني). والأغراض "السلمية" التي تنازلت عنها إيران لو افترضنا وجود مبادئ لديها حتى تتنازل عنها هي إيهام العالم بقصف القوات الإرهابية على أرض سوريا كداعش وجيش النصرة -المعروف الآن بجبهة فتح الشام- كما صرح أمين مجلسها الأعلى للأمن القومي الإيراني على شمخاني أن: طهران وموسكو قد يتبادلان القدرات والإمكانات في قتال تنظيم داعش. خطب الود هذا بين روسيا وإيران وتطور علاقتهما المشتركة على أراضي محايدة ليس بجديد في سياسة البلدين - وغيرهما من بلدان الغرب - القائمة على البراجماتية على حساب السلم والإنسانية. الطائرات الروسية تنطلق من قاعدة همدان الإيرانية لنشاهد ضحاياها في حلب ودير الزور والباب، وغيرها من مدن سوريا، من الأطفال والشيوخ والمدنيين العزل. يتفق مع بدء استخدام القواعد الإيرانية منطلقا للصواريخ الروسية تجاه سوريا تصريح الجنرال القيادي في الحرس الثوري الإيراني "محمد علي فلكي" القائد للقوات الإيرانية على الأراضي السورية، إعلانه بشكل رسمي أن إيران شكلت على ثلاث جبهات جيشا للتحرير الشيعي في كل من العراق وسوريا واليمن. وهذا الأمر لا يعد غريبا لأن العمليات التي يقوم بها "الحشد الشعبي" على سبيل في المثال في العراق ما هي إلا جناح لمثل هذه المليشيات الدموية التي تسمى جيشا، وفي اليمن يقوم الحوثيون بهذه المهمة في خدمة الأجندة الإيرانية، خاصة أنهم في محاولاتهم الأخيرة البائسة للتطاول على الحدود السعودية يستخدمون صواريخ يقال إنها صنعت في إيران. وفي سوريا حيث أطال الجنرال فلكي الحديث عن الجيش الشيعي الذي تنظمه إيران هناك، فإنها كما أوضح لا تستخدم عناصرها البشرية إلا للتدريب والتنظيم والقيادة بينما العناصر الأخرى للقتال من جنسيات مختلفة، ومنها الجنسية الأفغانية التي تمنى فلكي أن تتخلص إيران من شعور الاحتقار تجاهها واستخدامها كما يجب في التجييش والقتال لخدمة الأهداف السياسية التي ينشدونها. الميليشيات الإيرانية في الدول المجاورة تأتي في سياقها الذي أراده الإيرانيون بعكس المادة الدستورية المذكورة سابقا، فآية الله الخميني عندما نجحت ثورته قال في خطاب ألقاه على الجماهير: "سنصدر ثورتنا إلى كل العالم، حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة"، وهذا ما يحدث بالفعل منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وما يقوم به حراس الثورة من تصدير مشاكل إيران وفتنها إلى دور الجوار خاصة ودول العالم عامة. والسؤال هنا حسب عبارة الخميني السابقة: هل يعلم الجميع لماذا قامت إيران بالثورة؟ الثورة الإيرانية والتي تسمى "بالإسلامية" قامت كأي ثورة في العالم يبدؤها البعض بغية إسقاط النظام الحاكم لتحقيق مصالح الشعب وأحلامه التي تتسرب سريعا ثم تتلاشى حينما يطبق على زمام الأمر فيها بعض المتسيدين لها والذين يمررون من خلالها أهدافهم الشخصية ويسحقون تلك الأحلام وذلك الشعب. والتفاصيل حول الثورة الإيرانية قد يقدمها كتاب مختص أفضل بكثير من العجالة هنا التي أهدف من خلفها إلى لفت النظر إلى أن الخميني مرر فكرة الولي الفقيه لمجلس الثورة الإيراني وأصبح الولاء لذلك الولي الفقيه ليس حصرا فقط على إيران ومن فيها بل أصبح له مريدوه في البلدان العربية، خاصة تلك التي حرصت إيران فيها على تجنيد ميليشيات طائفية فيها واعترفت بها رسميا في العراق واليمن وسوريا، فضلا عن ذراع طهران في لبنان المتمثل في ميليشيا حزب الله. لم تكن خدمة الإسلام ولا الانتصار لآل البيت الهم الأكبر لإيران في ثورتها ولا أجندتها الحالية، بل إنها تستخدم هذا الغطاء العقائدي باحتراف، وتؤجج من خلاله الطائفية والعنصرية وتنشر الدموية التي يبرأ منها بيت رسول الله، بل هدفها الأهم خلق قوة فارسية سياسية وعسكرية وقومية تحاول من خلالها بث نفوذها وسيطرتها على العالم وتعيد حلم الإمبراطورية الكسروية القديمة لواجهة العالم، وحينما أنهكها الانغلاق على ذاتها ومقاطعة الغرب لها مسبقا أعادت ترتيب نفسها بمعاهدات ومصالحات مشروطة مع الاستفادة من تقارب وجهات النظر بينها وبين روسيا والصين لتمضي في حلم السيادة والسيطرة الفارسية بتفاهم نفعي مع الآخرين وتصدير مبادئ الثورة الخمينية المغلفة بالطائفية التي بدأت تتنازل عن بنود دستورها واحدا تلو الآخر بتعاونها مع روسيا. وروسيا في سعارها هي الأخرى للسيطرة على العالم على حساب دماء الأبرياء في سوريا -وبالتعاون مع الأسد- لا تزال ترتدي روح الشيوعية الإقطاعية التي مثلها ديكتاتورها لينين جيدا حينما ذهب للعالم النفسي الروسي "إيفان بافلوف" يطالبه بأن يجرب نظريته عن الفعل الإرادي الشرطي لدى الحيوانات على المجتمع الروسي. يقول بافلوف: "قال لي لينين: أريد أن أجعل المجتمعات الروسية تفكر كليا بالنظام الشيوعي وأن تتحرك به، لقد اندهشت إذ أراد مني أن أفعل بالإنسان ما فعلته بالكلاب!". إيران ومعها روسيا وحلفاؤهما من المتغاضين عن الدمار الكارثي في الإنسانية حولنا ما هم إلا صور أخرى من أجدادهم المستبدين، والعالم يقع - برضا أو دون رضا - تحت سطوة سيطرتهما القمعية، دون حرج ولو تخلوا عن كونهم بشرا.

مشاركة :