ما بين إحراق السجلات العقارية لمدينة حمص في يوليو من العام الماضي، وإجلاء المحاصرين من أهلها بموجب اتفاق إنساني بدأ تنفيذه وتمديده ثلاثة أيام أخرى، فإن قصة هذه المدينة تشبه غيرها من قصص المدن السورية التي حوصرت، حيث كان النظام يفتح لهم «كوة» بين الحين والآخر لينزحوا منها إلى الجوار، فنزح مئات الآلاف حسب إحصاءات الأمم المتحدة لكن السوريين النازحين صاروا بالملايين وفقا لإحصاءات مختلفة. ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: هل فك حصار حمص هو تسهيل للنزوح خوفا على أرواح المدنيين، أم أنه عملية تهجير منظمة يقوم بها نظام الأسد ضد الشعب السوري بفعل لعبة سياسية لا إنسانية؟ وما إحراق السجلات العقارية منتصف العام الماضي في حمص إلا واحدة من الدلائل. بالرغم من اتهام الكثيرين للنظام بالتخبط والجنون، إلا أن الخطوات التي ينفذها مدروسة وتهدف إلى ما هو أبعد من الجنون الذي يرتكبه من إحراق وقتل وتهجير، وهي العملية التي ستلي العاصفة الشعواء التي تضرب الأرض السورية حين يعود السوريون أدراجهم ليبحثوا في المدن المبعثرة المعالم ليس فقط عن شارع أو منزل إنما عن هوية ديمغرافية ضائعة. النظام ورغم حالة الجنون التي بلغها كان ولا يزال يسعى إلى إحداث تغيير ديموغرافي في بعض المدن فيدخلها ويقتل أهلها، فيقتل من يقتل وينزح من ينزح ومن بقي يحاصره لإجباره على الرحيل، وإن فشلت كل الاحتمالات أحرق سجلاتها كما حصل في حمص التي عادت إلى الأضواء على طاولة مفاوضات جنيف2 حيث خرج الجميع حاملين بنودا إنسانية لا مواعيد محددة لتنفيذها، لكن المفاجأة أتت عشية الجولة الثانية من المفاوضات وعبر لسان النظام، عندما نطق تلفزيونه الرسمي بأن عملية إجلاء السوريين من حمص بدأت «بموجب اتفاق إنساني» مع الأمم المتحدة وزاد من مفاجآته معلنا أن العملية ستستمر 72 ساعة إضافية. الاتفاق بشأن حمص ربما سيسهل إيجاد اتفاقيات مماثلة لمدن سورية أخرى، خاصة أن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، اعتبر أن الاتفاق بشأن حمص سيؤدي إلى مساعدة السوريين بدون تبني قرارات دولية مسيسة. إلا أن إنسانية النظام المفاجئة بحق حمص وغدا بحق مدن أخرى لن تمحو من ذاكرة السوريين أنه أجلاهم بقصد التهجير وقتلهم بدافع القتل وإحرق سجلاتهم بدافع طمس هويتهم. ولعله من المفيد أن نتذكر هنا ما كتبه الكاتب المعارض نجم الدين السمان بين الاستياء والتهكم على الحادثة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي إذ قال «إن إحراق مبنى السجل العقاري في مدينة حمص السورية يعني شيئا واحدا هو إلحاق حمص ببلدية طهران، الآن.. يمكن لأي حمصي الحصول على وثيقة ملكية لبيته من أقرب سفارة إيرانية إليه: فيلق القدس في ريف حمص المحتل».
مشاركة :