لم يكن أمام بنت البلد عبير أبو سليمان، قبل 6 سنوات تحديداً من ملجأ تلجأ إليه لإحياء نبض المنطقة التاريخية بين نفوس الجداويين، سوى عالم الشبكات الاجتماعية، كخيار وحيد أمامها لممانعة زهايمر نسيان الذاكرة التراثية للمنطقة. استطاعت بنت الدبلوماسي السعودي جميل أبو سليمان، من خلال مجموعتها الفيسبوكية الحراكية قلب جدة التي أسستها بصحبة زياد أعظم وثلة من شباب وشابات جدة، أن تعيد للمنطقة وهجها المفقود، بمنهجية دبلوماسية، اتسمت بـالكفاح والمثابرة. العديد من المراقبين المهتمين بتدوين أحداث المنطقة التاريخية، أشاروا بوضوح إلى أن عبير أبو سليمان لعبت أدواراً مؤثرة في دعم ملف تسجيل المنطقة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو عام 2014، عبر تقارير قدمتها عن المنطقة لمستشاري هيئة السياحة والتراث الوطني، إبان دراستهم ملف الترشيح في ذلك الوقت. الجرعات الأثرية القيمة الحيوية لعبير تبلورت عبر ترحالها الدبلوماسي مع والديها في عدة دول عربية وأوربية، عشقت خلالها المدن التراثية، مما زاد نسبة الجرعات الثقافية لديها بصورة واسعة، ليضيف لها ذلك الكثير من الجماليات المعرفية والحضارية عن التراث. إجادتها 4 لغات حية غير لغتها الأم هي الإنجليزية، والإيطالية، والإسبانية، والفرنسية، ساهمت بشكل كبير في تحريك المياه الراكدة قبل سنوات قليلة، في توجيه بوصلة الوفود الأجنبية للمنطقة التاريخية، عبر تفعيل الزيارات الدبلوماسية والسياحية بشكل تطوعي، وبخاصة تعريف طلاب المدارس الفرنسية والبريطانية، والهندية، بالمكنون التراثي لمنطقة جدة التاريخية. بين أزقة جدة التاريخية التقت (المسار) بأحد الناشطين وهو محسن اللبان، الذي يعود تاريخ عائلته في المنطقة إلى أكثر من 100 عام تقريباً، حيث تحدث بشغف عن أبو سليمان، ووصفها بـ الوقود الذي أشعل فتيل حب المنطقة التاريخية بين الجميع، حيث كان يشاهدها باستمرار بلا كلل أو ملل تتحرك في تعريف الأجانب وغيرهم بإرث جدة القديمة. التفعيل الاجتماعي عبير البلد التي تعد حالياً المشرف العام على مشاريع مؤسسة جدة وأيامنا الحلوة، وهي مؤسسة معنية بالحفاظ على تراث المنطقة التاريخية، رسمت منذ سنوات خارطة طريق واضحة للاهتمام بالمنطقة من نافذة الأعمال المجتمعية. الملفت في مبادرات أبو سليمان، قدرتها على إحياء البيوت القديمة التي هجرها أهلها، من خلال زياراتهم لبيوتهم القديمة، وهو ما نجحت فيه بشكل كبير. أحمد بن بريك عضو مجموعة قلب جدة ويشرف اليوم على مكتبة جدة وأيامنا الحلوة، ولازم أبو سليمان على مدار السنوات الماضية، سألته المسار عما قدمته الناشطة للمنطقة، فكانت إجابته في محاور محددة، أهمها أنها استطاعت غرس حب المنطقة التاريخية في جيل الشباب، عبر إكسابهم معلومات عن إرث أجدادهم. حملت أبو سليمان على عاتقها تعريف الجيل الثالث والرابع من السعوديين بأهمية الحفاظ على تراث المنطقة، والنسيج الاجتماعي الذي ساد حقبة ما قبل 1947 (قبل إزالة سور المدينة القديم)، حيث تبلور الأمر لديها كواجب قومي بالدرجة الأولى للحفاظ على المنطقة، بحسب وصف إحدى أعضاء مجموعة قلب جدة الفيسبوكية هدى باشماخ لـ (المسار). تثقيف الجيل الجديد حديث باشماخ، وهي طالبة جامعية، وتعتبر نموذج نجاح لـ أبو سليمان في بناء مجموعات شابة مهتمة بإرث المنطقة التاريخية، ليصبحوا قيادات تعريف للزوار والوفود السياحية الذين يفدون للمنطقة بين الحين والآخر. ديناميكية العمل الاجتماعي والتعريف المستمر نقل أبو سليمان ومجموعتها رسمياً من عالم التواصل الاجتماعي، ليسند إليهم أول عمل رسمي كلفوا به من محافظة جدة، إبان النسخة الأولى لمهرجان جدة التاريخية. يشير عدد من المراقبين المهتمين برصد الحراك في المنطقة التاريخية، إلى أن عبير أبو سليمان لعبت دورا كبيراً في مهرجانات جدة التاريخية، من خلال ترؤسها مجموعات المتطوعين (30 شاباً وشابة)، لإرشاد الزائرين ضمن فعالية أدلة المعالم، عبر تهيئتهم معرفياً وثقافياً بالمعالم التاريخية للمنطقة وبيوتها الأثرية وتاريخ بعض العوائل التي قطنت في المنطقة. لم تدخل عبير البلد مجال الاهتمام بالمنطقة هي الأخرى دون تهيئة لذاتها، فقد درست وقرأت الكثير عن معالمها، بل تتلمذت على عدد من المؤرخين الذين اعتبروا مراجع في تدوين إرث المنطقة، كثيراً ما سئلت أبو سليمان عن سبب شغفها بالمنطقة التاريخية أكثر من مرة، فكانت إجابتها واحدة لم تتبدل: تاريخ نفخر به أمام العالم.
مشاركة :