بكى العالم لرؤية الطفل عمران بعد أن تم انتشاله من تحت الأنقاض مثلما بكته مذيعة الـ CNN ، ومن لم تذرف دموعه ويتمزق قلبه لرؤية ذلك المنظر فأنا أضع في ذمتي دون تردد أن إنسانيته غير كاملة. بكى العالم ابن حلب المدمرة «عمران» وانهمرت الدموع لأجله في كل مكان بينما كان هو جالساً لا ينطق بكلمة ولم تنزل دمعة واحدة من عينيه البريئتين، وكل ما كان يفعله هو تحسس وجهه المغطى بالدماء والغبار. ليتك يا عمران بكيت بأعلى صوت، ليتك عبَّرت عن خوفك كأي طفل في سنِّك مر بما مررت به من رعب لا يتحمله الكبار، كنا على الأقل سنطمئن عليك أكثر، فصمتك بهذا الشكل يعني أن ما بداخلك من ألم وخوف فاق حجم القدرة على الخروج والتعبير، أم أنك حجبت دموعك قاصداً ومتعمداً كتعبير عن احتقارك وازدرائك لهذا العالم البغيض المنافق الذي تنهمر دموعه قليلاً ثم يمضي لشأنه ناسياً ومتناسياً، تماماً كما جرى مع «أخيك» إيلان الذي قذفت الأمواج جسده الطاهر الى الشاطيء ليكتفي العالم اللاإنساني اللامتحضر بالقليل من التباكي عليه والقليل القليل من الأفعال اللازمة لإنقاذ عشرات الأطفال الآخرين من نفس المصير. عالم نراه اليوم يبكي عمران، وسرعان ما سينساه ويعود سالياً متناسياً ليتابع دون اهتمام نشرات أخبار البراميل المتفجرة وقنابل الطائرات الروسية الحارقة وقصف الميليشيات الإيرانية، وتوحش الجماعات الإرهابية، وكأنها لا تعني له أي شيء. وإذا كانت صورة عمران أو إيلان قد آلمتكم وأبكتكم، فدعوني أؤكد لكم بأن ما لم توثقه الكاميرات لمعاناة أطفال سوريا لا يقل إيلاماً، حيث تجاوز عدد ضحايا الأطفال من الحرب عشرة آلاف طفل، تنوعت أسباب موتهم، فمنهم من مات تحت أنقاض القنابل والبراميل المتفجرة، أو رمياً بالرصاص، أو ذبحاً بالسكاكين، أو تحت وطأة التعذيب. ويؤكد تقرير صادر عن اليونيسيف أن 80% من أطفال سوريا عانى من ويلات الحرب. إحدى الحالات الموثقة هي لطفل من حلب عمره 9 سنوات شاهد أمه وقد تحولت لأشلاء من القصف ففقد الذاكرة والقدرة على القراءة والتفكير وتذكر أسماء أسرته، وأصبح يعاني من نوبات رعب وبكاء شديدين. أطفال العرب في أكثر من دولة يعانون أيضاً ذات المعاناة.. جيل كامل من الأطفال المحطمين نفسياً وجسدياً وفكرياً. ما دمرته القنابل من مبانٍ وجسور يمكن إعادة بنائه، لكن التدمير النفسي والفكري لأطفال بلد بهذه الصورة يعني بباسطة تدمير مستقبل ذلك البلد لعقود طويلة قادمة، وهنا يكمن الخطر الحقيقي.
مشاركة :