راهن المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري وخلافاتها ومعضلاتها

  • 8/24/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يُشكّل الحدث السوري معضلة سياسية في المنطقة برمتها، ويبدو أحياناً كمعضلة للعالم برمّته، نظراً لتعقّد مصالح الفاعلين وتشابكها بشكل غير مسبوق في المنطقة، وفقدان أي منهم للقدرة على تقديم حلّ منفرد أو فرض حلوله!. لكن هذه المعضلة تأخذ بُعداً أعمق عندما يتعلق الأمر بالمعارضة السياسية السورية، فهي تحاول الموازنة بين فاعلين متخاصمين ومختلفين ومتنافسين، وفي نفس الوقت الموازنة مع فاعلين عسكريين مختلفين فيما بينهم، ومرتبطين بالمصالح الإقليمية والدولية، والمحافظة على موقع في مشهد رملي متحرّك بالتوازي مع بحث عن موقف يحظى بقبول لدى شريحة أكبر من فئتها المستهدفة!. تتناول دراسة «تقدير الموقف» التي أصدرها مركز «جسور» للدراسات، وأرسل لـ «الشرق» نسخة منها، وحملت عنوان «المعارضة السياسية في سوريا: الخيارات المتاحة في معطيات حرجة»، راهنَ المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري وخلافاتها ومعضلات تمثيلها والصراعات الصامتة فيما بينها ومحددات أدائها والخيارات المتاحة والإصلاحات المطلوبة لتجاوز العقبات التي تحول دون اعتبارها رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية والدولية. وتحت بند «غياب الصخب» و»صراعات صامتة» تشير الدراسة إلى وجود تجاذبات واستقطابات داخل الائتلاف والحكومة المؤقتة وصراع حول الحضور والتأثير بين الائتلاف وبين الهيئة العليا للتفاوض التي استطاعت الاستحواذ على الحضور السياسي في جنيف 22 يناير 2016 من خلال رئيسها رياض حجاب وسط ضعف حضور الائتلاف. وعلى الرغم من أن انتخاب أنس العبدة رئيساً للائتلاف لم يشهد احتكاكات بين الكتل المكونة للائتلاف وتم بشكل توافقي لأول مرة، إلا أن هذا لا يعني زوال الصراعات الداخلية. تضع الدراسة أربعة محددات تسهم في رسم معالم المشهد المعارض؛ وهي البيئة الدولية لاسيما مع تحول المسألة السورية إلى حالة من التدويل المعلن؛ حيث حضرت المعارضة ومؤسساتها في الملتقيات الدولية وأهمها مؤتمر جنيف الذي دفعت أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة المعارضةَ للمشاركة فيه. ثاني هذه المحددات هو البيئة الإقليمية التي تتحرك المعارضة السورية بدعم كبير من أطرافها وتتأثر بالتغيرات التي تطرأ عليها؛ حيث شهدت أولويات بعض الفاعلين الإقليميين تقديماً وتأخيراً على ضوء المستجدات الحاصلة (أولوية الملف اليمني لدى السعودية وأولوية الملف الداخلي والكردي في تركيا)، وهو ما انعكس سلباً على الموارد المالية المتاحة لمؤسسات المعارضة وخصوصاً الحكومة المؤقتة. تأتي الوقائع الميدانية المحلية في المرتبة الثالثة كمحدد مهم لحالة المعارضة، فلقد تميزت بداية العام الحالي ولغاية الشهر السابع بفتور نسبي على صعيد المعارضة في مقابل تقدم للوحدات الكردية ولقوات الأسد، ما أدى إلى انكماش في الخطاب السياسي المعارض. بينما أعاد فك الحصار عن الأحياء الشرقية في حلب الحيوية إلى بيئة المعارضة السياسية وهو ما عزز حضور الفصائل العسكرية في الساحة السياسية. آخر المحددات هو التنافس الداخلي والصراعات البينية؛ حيث يشكل التنافس بين الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات أبرز أشكال الصراع داخل المؤسسة السياسية المعارضة، يضاف إلى ذلك أن الفصائل المسلحة الفاعلة ليست بوارد الاعتراف بالائتلاف دون وجود وازن لها فيه، كما أن وجودها داخل الهيئة لا يعني ارتياحها لحجم التمثيل المعطى، وهو ما قد يدفع الفصائل لتشكيل كيانها السياسي الخاص بها، الذي سيكون منافساً حقيقياً بالنظر إلى سيطرته الفعلية على الأرض التي تفتقر إليها المؤسستان السابقتان. تنقل الدراسة ما أشارت إليه بعض المعطيات عن اقتراب الفصائل العسكرية الرئيسة من تشكيل جسم مشترك يقوم على تمثيلها سياسياً بدعم من بعض الدول الإقليمية، وتوصيها بدل إنشاء كيان خاص بها بالوصول إلى صيغة مشتركة مع الائتلاف، ذلك أن الفصائل تفتقر للخبرة السياسية أولاً وللاعتراف الدولي ثانياً. وتختم الدراسة بتوصية الائتلاف بإجراء إصلاح جذري في بنيته وتركيبته بحيث يضمن للفصائل الفاعلة تمثيلاً حقيقياً وبما يوقف سعيها لإنشاء كيان جديد، ويشمل هذا الإصلاح منح الفصائل مقاعد ذات أغلبية معطلة وحسم الموقف فيما يتعلق ببقاء الحكومة المؤقتة من عدمه والإعلان عن مواقف سياسية واضحة من القضايا الإشكالية. أما بالنسبة للهيئة العليا للمفاوضات فتوصي الدراسة بترتيب العلاقات البينية بينها وبين الائتلاف بشكل يحقق تقاسماً للأدوار والمواقع، بحيث يتولى الائتلاف الأدوار السياسية والإعلامية وتتولى الهيئة الأدوار الخاصة بالمفاوضات، كما توصي بإنتاج نظام أساسي خاص بالهيئة يحدد آليات لصناعة القرار وآلية لاختيار هيئتها العليا ورئيسها، وبفتح حوار موسع مع الفصائل لضمان تمثيلها وتحديد حجمه.

مشاركة :