ضرب رجال شرطة فلسطينيون حتى الموت أمس «مطلوباً» عقب اعتقاله في نابلس، في حادث هز المجتمع الفلسطيني. وشهدت المدينة مسيرة احتجاجية وأعلنت الحداد العام، في وقت أعلنت الحكومة تشكيل لجنة تحقيق في الحادث. وأقرت السلطة الفلسطينية بواقعة الضرب، لكنها بررت ذلك بالقول إن المطلوب متهم بأنه «العقل المدبر» وراء قتل اثنين من رجال الشرطة الخميس الماضي، وإنه شتم رجال الشرطة، ما دفعهم إلى ضربه ضرباً مبرحاً أدى إلى وفاته. وقال محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب، إن رجال الشرطة انهالوا ضرباً على أحمد حلاوة (50 عاماً) بعد أن شتمهم، ما أدى إلى وفاته تحت الضرب. وأضاف أن حلاوة اعتقل من أحد المنازل في ضواحي نابلس في ساعات الفجر، وأنه شتم رجال الشرطة، وعندما وصل إلى السجن واصل شتمهم، فضربوه، وتبين لاحقاً أنه توفي. وأضاف: «سنقوم بدرس الحادث واستخلاص العبر». من جانبه، أعلن رئيس الوزراء وزير الداخلية الدكتور رامي الحمدالله، تشكيل لجنة تحقيق في الحادث، برئاسة وزير العدل علي أبو دياك، وعضوية النيابة العسكرية والنيابة العامة. وقال في بيان إن «الحادث شاذ»، وسيتم نشر نتائج التحقيق فور الانتهاء منه. لكنه أكد أن الحكومة ستواصل ملاحقة الخارجين على القانون في نابلس وفرض الأمن والنظام، مجدداً الدعوة لهؤلاء «بتسليم أنفسهم». وقوبلت عملية قتل حلاوة باستنكار واسع في المجتمع الفلسطيني، وجرت مسيرة احتجاجية وسط المدينة فرقتها الشرطة بالغاز المسيل للدموع. وأعلنت مؤسسات وفعاليات والقوى والشخصيات الاعتبارية في المدينة في ختام اجتماع موسع لها عقد في مقر البلدية، الحداد العام على مقتل حلاوة، وقالت إنها قررت تشكيل لجنة تحقيق مستقلة مستندة إلى الطب الشرعي في ظروف مقتل حلاوة. وجاء في البيان: «إن ما جرى في ظروف مقتل المواطن يعتبر جريمة غير مبررة وغير مسؤولة». وطالبت بوقف التصريحات «غير المسؤولة» وما سمته «حملة التحريض المشبوهة» التي قالت إنها تؤجج المشاعر، ووقف التجاوزات التي ارتكبها بعض عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وناشدت الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء ضبط سلوك بعض أفراد الأجهزة الأمنية، كما طالبت الجهات الرسمية بتهيئة الأجواء لانسحاب القوى الأمنية من البلدة القديمة. وقرر المجتمعون توكيل محام خاص للدفاع عن الحق الشخصي للمدينة ومواطنيها أمام القضاء. وقالت مؤسسة «الحق» التي تعنى بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، إنها تابعت بقلق بالغ مقتل حلاوة على يد رجال الشرطة التي قالت إن وظيفتهم حماية الأمن وتطبيق القانون. وأوضحت في بيانها أنها تشتبه في أن ما جرى «يندرج ضمن عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف وفقاً لمبادئ المنع والتقصي الفاعلين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام من دون محاكمة المعتمدة من الأمم المتحدة عام 1989». وأضاف البيان: «فالمادة الأولى من تلك المبادئ الدولية تؤكد أن هذه الجرائم يعاقب عليها القانون بعقوبات مناسبة تراعي خطورتها، وتشدد على أنه لا يجوز التذرع بالحالات الاستثنائية، بما في ذلك حال الحرب أو التهديد بالحرب، أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أي حال طوارئ عامة لتبرير عمليات الإعدام». وذكّرت «بما نصت عليه مدونة سلوك الموظفين المكلفين إنفاذ القوانين، المعتمدة من قبل الأمم المتحدة عام 1979»، والتي قالت إنها «لا تجيز للموظفين المكلفين إنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حال الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجباتهم». وأكدت «وجوب التزام مبدأ التناسبية في استعمال القوة»، وقالت إن هذا ينسجم مع ما نصت عليه مدونة قواعد استخدام القوة من منتسبي قوى الأمن الفلسطينية الصادرة بقرار وزير الداخلية الفلسطيني عام 2011. وأضافت أن «المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي انضمت إليه فلسطين، تؤكد عدم جواز حرمان أحد من حقه في الحياة تعسفاً، كما أن المادة 84 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل تحصر وظيفة قوات الأمن والشرطة في الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب وحماية المجتمع والسهر على حفظ الأمن والنظام العام والآداب العامة». وحذرت من أنه خلافاً لذلك، «فإن الأجهزة الأمنية قد تفقد الثقة في ما يتعلق بدورها في حفظ الأمن والنظام العام وحماية المواطنين في إطار تعزيز مبدأ سيادة القانون وتحقيق العدالة، بما بشكل مخالفة لأحكام القانون ومدونة قواعد استخدام القوة لعام 2011 المذكورة أعلاه». وطالبت «الحق» الأجهزة الأمنية باتخاذ إجراءات لبسط سيادة القانون، «على أن تنسجم كل الإجراءات المتخذة مع الحقوق والضمانات المكفولة في القانون الفلسطيني والاتفاقات الدولية التي انضمت إليها فلسطين، وفتح تحقيق شامل وعاجل ونزيه في عملية قتل المواطن حلاوة ومحاسبة المسؤولين عنها جنائياً، وتحقيق سبل الانتصاف». وكاتن مدينة نابلس شهدت الأسبوع الأخير سلسلة حوادث عنف بين أجهزة الأمن ومطلوبين وصفتهم الحكومة بأنهم خارجون عن القانون. وبدأت هذه الأحداث بقيام مسلحين بإطلاق النار على مجموعة من رجال الأمن خلال حملة اعتقالات قامت بها أجهزة الأمن، وقتل رجلا أمن هما شلبي إبراهيم بني شمسة (25 عاماً) ومحمود محمد طرايرة (27 عاماً). وأعقب ذلك قيام أجهزة الأمن بقتل اثنين من المشتبه بهم بقتل رجلي الشرطة خلال اشتباك مسلح، هما خالد عبد الناصر أغبر (22 عاماً) وفارس عبد الله حلاوة (24 عاماً). وواصلت أجهزة الأمن ملاحقة عدد آخر من المطلوبين، بينهم حلاوة، الذي اتهمته بأنه العقل المدبر وراء مقتل رجلي الشرطة. وتهدف الحملة الأمنية التي تقوم بها السلطة في نابلس إلى اعتقال مجموعات متهمة بالوقوف وراء جرائم قتل وتجارة سلاح وغيرها ومصادرة أسلحة. لكن الحملة شهدت حوادث اعتبرها أهالي المدينة خرقاً للقانون، مثل دهم البيوت وتفتيشها بقسوة واعتقال ناس بالشبهات.
مشاركة :