هل تحل دبي محل لندن عاصمة للمال والأعمال؟

  • 8/25/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. حبيب الملا بعد أن صوت البريطانيون في استفتائهم الشهير للخروج من الاتحاد الأوروبي، وإلى أن يتحقق هذا الخروج، فإن العاصمة البريطانية لندن ستظل بلا شك عاصمة المال والأعمال الرائدة في العالم لا ينافسها في ذلك سوى نيويورك التي تستفيد من الثقل الاقتصادي الضخم للولايات المتحدة. وحين يتحقق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو أمر لا يعتريه من الشك إلا القليل، وإن كان السؤال الحقيقي هو متى يتحقق هذا الخروج؟ فإن المنافسة ستظل مفتوحة بين مدن مختلفة تطمح بمشروعية أن تنال نصيباً من كعكة المصارف والمؤسسات المالية وكذلك الشركات المتواجدة في العاصمة البريطانية والتي قد تجد أن خروجها من عاصمة الضباب قد يكون أجدى لها بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وحتى لا يخدعنا الوهم فإن لندن ستظل عاصمة المال والأعمال حتى بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. فالثقل المالي للمملكة المتحدة في جذب الاستثمارات والبنية التشريعية القومية والقضاء البريطاني العريق والاستقرار السياسي للمملكة المتحدة كلها عوامل ستظل جاذبة بقوة للعاصمة البريطانية. إلا أن هذا لن يمنع تأثر لندن ولو جزئياً من الخروج من الاتحاد الأوروبي ، فقد أشار تقرير نشرته قناة العربية في 7/7/2016 إلى أن مؤشر النفقة بالأعمال في بريطانيا ضبط إلى أدنى مستوى في أربع سنوات ونصف السنة عقب التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي. وستحاول بريطانيا استدراك هذا الأمر فقد تعهد وزير المالية البريطاني بخفض الضريبة على الشركات لتشجيع أصحاب الأعمال على الاستثمار في المملكة المتحدة وذلك ضمن خطة لبناء اقتصاد شديد التنافسية. وستكون هناك مدن تطمح إلى استقطاب الشركات التي قد تجد العاصمة البريطانية أقل جذباً مما كانت عليه، والمنافسة في هذا الصدد أمر مشروع ومتاح وليس بالأمر المستحيل. ودبي إحدى المدن المؤهلة للمنافسة في هذا المضمار. فدبي تشغل الآن موقع العاصمة التجارية والمالية لمنطقة تمتد من محيطها الإقليمي الضيق إلى تركيا مروراً بالجمهوريات السوفييتية السابقة وحتى شمال إفريقيا وقد نجحت في ممارسة هذا الدور بنجاح جامعة في ذلك بين تراثها الإسلامي والعربي الأصيل ومتطلبات العولمة الحديثة. كما أن دبي نجحت في إنشاء بنية تحتية متطورة لا تضاهيها في ذلك أي مدينة أخرى في المنطقة. كما أن دبي هي إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة التي شهدت منذ تأسيسها استقراراً نادراً في منطقة ظلت ملتهية على مدى عقود. كما أن الخدمات الحكومية في دولة الإمارات شهدت في العقد الأخير تطوراً مذهلاً تجاوز حتى بعض الدول الأوروبية التي تعاني بعض أجهزتها من بيروقراطية مترهلة تمكنت منها. وبخلاف بعض الاستثناءات المحدودة لا توجد في الإمارات ضرائب على الدخل أو ضرائب على الشركات وهذا عامل جذب فريد. فضلاً عن ذلك كله فإن الإمارات أصبحت اليوم بفضل البيئة المشجعة للابتكار وبفضل يسر إدارة الأعمال والتخفف من البيروقراطية ونمط الحياة المتنوع فيها مركز الاستقطاب المعرفي للشباب من دول المنطقة. فمعظم خريجي المنطقة يعتبرون الإمارات الوجهة الأولى لهم للعمل وإنشاء المشاريع متفوقة بذلك على خيارات تقليدية مثل الولايات المتحدة وأوروبا. وهذه النقطة تحديدا عامل مهم بالنسبة للشركات العالمية التي يهمها العمل في بيئة تتوافر فيها الخبرة المعرفية والكفاءات القادرة على العمل والابتكار. علاوة على ذلك فإن دبي تحضن العديد من الأسماء اللامعة من المؤسسات والمصارف المالية العالمية بشكل أو بآخر فالمنافسة بالنسبة لها لا تبدأ من الصفر. وقد تمكنت دبي من خلال مركز دبي المالي العالمي أن ترسخ أقدامها كمركز مالي إقليمي. إذ تمكن المركز منذ تأسيسه عام 2002 من استقطاب العديد من الأسماء اللامعة في مجال المال والأعمال إذ إن المركز يضم ما يقارب الألف شركة بقيمة 400 مليار دولار ويعمل فيه نحو 150 ألف عامل. ويقوم المركز المالي على ثلاثة أعمدة رئيسية هي السلطة الرقابية القائمة على النموذج البريطاني والذي يعد الأفضل على مستوى العالم. وسلطة إدارية تتيح بيئة سهلة ومتطورة لممارسة الأعمال وسلطة قضائية تعتمد النظام الأنجلو ساكسوني العريق المعمول به في كل من قطبي صناعة المال في العالم لندن ونيويورك. إلا أن دبي لن تكون الوحيدة في هذا المضمار. فهناك مدن ستنافس بشدة على استقطاب الشركات العاملة في لندن مثل سنغافورة وهونج كونج وبدرجة أقل كل من باريس الغارقة في البيروقراطية وليشتناشتين وفرانكفورت اللتين يعيقهما صغر حجمهما. كما أن دبي تواجه تحديات وتحتاج أن تتدارك أموراً عدة قد تعيق من فرص منافستها في هذا الميدان. وأول هذه التحديات تحديث البنية التشريعية. صحيح أن مركز دبي المالي نجح في إصدار تشريعات تجارية متطورة إلا أن نطاق تطبيقها الجغرافي محدود ضمن حدود المركز فقط. أما الإطار التشريعي العام في دولة الإمارات فإنه يحتاج إلى مراجعة جذرية وإصلاحات حقيقية ليواكب العصر. فلم يعد مقبولاً لثاني أكبر اقتصاد عربي وأكثره تطوراً ألا يوجد لديه قانون إفلاس أو قانون تحكيم متطور أو قانون ينظم أسواق المال أو قانون شركات تجارية عصري والقائمة طويلة وللأسف لم تتمكن دولة الإمارات حتى اليوم من توفير بنية تشريعية متطورة على الرغم من نجاحها المبهر في إنشاء بنية تحتية متطورة بكل المقاييس. ثاني هذه التحديات يكمن في إزالة بعض العقبات الإدارية التي لا تزال تشكل عائقاً أمام ممارسة الأعمال ولا تتناسب مع الرؤية العصرية التي تطرحها القيادة السياسية لتطوير العمل الحكومي والخدمات الحكومية. فعلى سبيل المثال ما زال الحصول على أبسط المعلومات عن الشركات العاملة في الدولة حتى العامة منها أمراً صعب المنال ويحتاج في معظم الأحوال إلى الاستحصال على أذون قضائية ليست سهلة المنال في وقت يفترض ان تكون فيه المعلومات متاحة للكل وبأبسط وأسهل الطرق. ومن غير توافر شفافية كاملة في طرح المعلومات التجارية فان المصارف والمؤسسات المالية تواجه صعوبة في توفير الائتمان اللازم للشركات نتيجة لنقص المعلومات المتوافرة الأمر الذي يعيق ممارسة الأعمال التجارية بشكل عام. ثالثاً آن الأوان لإلغاء الحماية الجنائية سيئة الذكر عن الشيكات ووقف حبس المدينين في قضايا مالية وهي إجراءات عفى عليها الزمن ولم تعد موجودة في أي اقتصاد متطور. فالدين المدني محله المحاكم المدنية وليس محاكم الجزاء المخصصة للمجرمين والمحتالين. كما أن من الممارسات التي تحتاج إلى مراجعة أوامر القبض الغيابية التي تصدر في حالات عدم سداد فواتير الاتصالات أو الخدمات الأمر الذي يترتب عليه منع رجال الأعمال من السفر في المطار بسب مبالغ تافهة دون وجود آلية فورية للدفع الأمر الذي سبب الكثير من المواقف المحرجة. ولا أدري لماذا لا يتم إنشاء موقع مخصص لأوامر المنع من السفر في القضايا المالية يمكن من خلاله لأصحاب الشأن مراجعته لسداد أي مستحقات مالية عليهم دون أن يفاجؤوا بذلك في أروقة المطارات. فالغاية في القضايا المالية هي تحقيق السداد والتحصيل وليس الإحراج والمضايقة. إن هذه مسائل قد يراها البعض بسيطة إلا أن تأثيرها النفسي والإعلامي بليغ المدى. إن السؤال الجدير بالإجابة عليه ليس عن مواجهة هذه التحديات ومعالجتها فهذا أمر مفروغ منه سواء أرادت دبي أن تدخل المنافسة مع المدن الأخرى أم لا، إنما السؤال الأهم هو السرعة التي ستقوم بها دبي باتخاذ إجراءات لمعالجة هذه التحديات. فالسباق قد بدأ وعامل الزمن محدود ولن يرحم من يتباطأ. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ،نائب رئيس الدولة ، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ،رعاه الله ، أن العالم لا يذكر إلا من يحرز المركز الأول والإمارات قد اعتادت تبوؤ المركز الأول ولن يعجزها هذا السباق.

مشاركة :