قصيدة مؤجلة

  • 8/25/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

علاء الدين محمود الذين يحاولون أن يرهنوا الشاعر الكبير محمود درويش، في لحظة معينة، إنما كانوا يظلمونه، وينمطونه فعلاً، من أجل الانتصار لأحلامهم أو تأويلاتهم، يريدون أن يعتقلوا الشاعر العابر داخل حدود تصوراتهم، لذلك يصفون أية محاولة لإزالة هذا الفهم، وذاك الصدأ المتراكم، بأنها محاولات تصب في تشويه درويش، لذلك تتناهش السهام تلك المحاولات، التي تسعى إلى تحرير درويش من أن يصبح أيقونة نضالية، أن يصبح معبداً، تُزار كلماته في لحظة لهاث مصطنع، وهتاف منفصل عن الوعي، والحقيقة أن الموقف الاحتجاجي لدى درويش هو موقف كوني، موقف من الحياة، لاشك أن لقضية الوطن تأثيراً كبيراً فيها، لكن محمود تجاوز مرحلة النشيد الثوري، ليس بالقطع معه بطبيعة الحال، فنحن هنا أمام موقف جدلي، لكن أصواتاً تريد أن تلغي تلك الشروط في تطور درويش. لذلك، فإن هذه الوصاية على شعر محمود درويش، تعبر عن لحظة مجنونة فعلاً، منفلتة عن العقل، تنكر أي تطور، فالشعر عند محمود درويش، يتطور بتطور مراحل العمر، وما كان له أن يتطور لولا التراكم الشعري الكبير على مدى سنوات طويلة، وهذا ما ذهب إليه درويش نفسه في حوار له مع الشاعر والكاتب عبده وازن. ولعل الحوار مع شاعرنا الكبير، يضع نقاطاً ضائعة على تلك الحروف التي أعيتهم تأويلاً، يقول درويش في الحوار إن الشاعر المبدع والجماهيري في آن واحد، يمكنه أن يتطور مع قرائه. وفي الحوار يتحفظ درويش على تسميات مثل شعراء المقاومة أو شاعر القضية، باعتبارها محاولات نقدية لتجريد الشاعر الفلسطيني من شعريته لتبقيه معبراً عمّا يُسمى مدونات القضية الفلسطينية، بل هو لا يقبل أن يُعرف كشاعر القضية الفلسطينية فقط، وبأن يدرج شعره في سياق الكلام عن القضية فقط، وكأنه مؤرخ بالشعر لهذه القضية، وفي الحوار يرى درويش أن القصيدة السياسية لا تعني له أكثر من خطبة، قد تكون جميلة أو غير جميلة، معتبراً أنها بكل الأحوال تخلو من الشعرية أكثر من القصيدة التي تحرص على أن تنتبه لدورها الإبداعي، ودورها الاجتماعي، فهي قد استنفدت أغراضها إلّا في حالات الطوارئ الكبرى، لذلك لم تعد جزءاً من فهمه المختلف للشعر. هذا هو موقف درويش من درويش، يقف فيه متمرداً كبيراً، غير قابل للاختزال، وعصياً، بالفعل، على التنميط، هائماً، كما قال. نذر وقته بحثاً عن قصيدة ذات قدرة على أن تخترق زمنها التاريخي، وتحقق شرط حياتها في زمن آخر، وربما هذه القصيدة نتلوها ليل نهار، لكن عتمة في عقولنا تأبى إلّا أن تعتقلها في تصوراتنا عن شعر درويش، ما نريده نحن من شعر درويش، لذلك فإن الرجل الغريب، حقيقةً، هو شاعر مؤجل. alaamhud33@gmail.com

مشاركة :