< تمر على المنطقة العربية في الوقت الراهن موجة من حال الفوضى والانفلات الأمني وتفرق النسيج المجتمعي، ما يؤدي إلى الفشل الاقتصادي وإهدار للثروات العامة، ويأتي ذلك في حال من انعدام للقيادة. فمنذ حرب العراق في ٢٠٠٣ ومروراً بالربيع العربي عام ٢٠١١ والدولة العربية تكشف عن هشاشة بنائها الداخلي وسهولة انجرافها نحو الهاوية، وإذ إن المملكة من أكثر الدول استقراراً في المنطقة، ولمكانتها الدينية والاقتصادية والسياسية في العالم العربي، وإذ إننا نشهد وقتاً نادر الحدوث في تاريخ عالمنا العربي، وهو وجود قوة أحادية في العالم العربي، فلا وجود لأي نظام عربي قادر على طرح مشروع منافس للمملكة، فإنه أصبح من الواجب على المملكة القيام بدورها التاريخي في المنطقة والأخذ بزمام المبادرة. إن ترك أي فراغ في العالم العربي يعني بالضرورة ترك ثغر للقوى المنافسة في المنطقة، وهو ما قد يضر بالأمن القومي العربي. إن «عاصفة الحزم» في اليمن وتشكيل التحالف العربي يجب أن يكون البداية في مشروع متكامل للمملكة ورؤية جديدة للعالم العربي والجامعة العربية. لكن الحديث عن أي مشروع للمملكة في الوطن العربي يجب أن يكون مقروناً بالحديث عن الحفاظ على مكانة المملكة الحالية وتعزيزها، حتى تكون ضامناً لاستمرارية أي مشروع. إن أهم مقومات المملكة والتي تعزز من عمقها الاستراتيجي هو أمنها واستقرارها، إضافة إلى مكانتها الاقتصادية والتي تعزز من قوتها العسكرية والديبلوماسية. ومن فضل الله على المملكة في وقتنا الحاضر أن كل دول الجوار هي دول عربية، لا يوجد بينها والمملكة عداء مباشر، وهي مزية لا تملكها أي من الدول العربية الكبرى، لذلك وجب إبقاء هذه المسافة بينها وأي خطر، فوقوع أي دولة من هذه الدول تحت أية وصاية خارجية هو تهديد مباشر للأمن القومي السعودي، ومن هذه النقطة أتت أهمية «عاصفة الحزم». أما في الجانب الاقتصادي، فإيجاد بدائل عاجلة للنفط وتعزيز رأس المال السعودي من خلال دعم القطاع الخاص ودعم المؤسسات الصغيرة، إضافة إلى العمل على تنمية الصناعات الحساسة، كالصناعات العسكرية والتقنية هي من أهم الخطوات لتعزيز مكانة المملكة وأمنها القومي، وقد تكون رؤية ٢٠٣٠ الاقتصادية هي البذور لتحقيق هذه الأهداف. ومن دون الحفاظ على الأمن والاستقرار وتعزيز القوة الاقتصادية، لن يكون للمملكة القدرة على تقديم أي مشروع للمنطقة. أما على الصعيد العربي، فيواجه العالم العربي أخطاراً شائكة يصعب على الدولة القُطرية العربية مجابهتها بمفردها، وعلى رغم كثرتها، فإنه بالإمكان حصر أهم هذه الأخطار على ثلاثة مجالات: الأول الخطر العسكري، والمتمثل في التدخلات الخارجية من بعض دول الجوار، كإيران وإسرائيل وغيرها، والجماعات المسلحة الظاهرة والمنتشرة في دول عربية عدة، كسورية والعراق وليبيا والصومال ولبنان واليمن، وهذا الخطر يشكّل تهديداً وجودياً لتلك الدول. المجال الثاني وهو الخطر الأمني، وهذا الخطر يهدد معظم الدول العربية، متشكلاً بالإرهاب والخلايا النائمة. أما المجال الثالث فهو الخطر الاقتصادي، والمتمثل في الفشل الاقتصادي في الدولة العربية، ما يعني ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع نسبة الفقر، وانخفاض النمو الاقتصادي، ويختلف هذا الخطر من دولة لأخرى في عالمنا العربي على اختلاف مواردها الطبيعية واستقرارها السياسي، لذلك وجب على الدول العربية التوقف عن التخوف والريبة من بعضهم البعض، والعمل على مواجهة هذه الأخطار برؤية موحدة. إن مشروعاً سياسياً سعودياً للعالم العربي لا يعني توزيع المساعدات والدعم المالي على هذه الدولة أو تلك، ولكن بالعمل على مبدأ المنفعة المشتركة وإنشاء شراكة حقيقية بين الدول العربية. فعلى سبيل المثال: يمكن للمملكة تخصيص جزء من صندوق الاستثمارات للاستثمار في العالم العربي، بحيث تعود بالربح على المملكة، وتدعم اقتصاد الدولة الأخرى. أيضاً بالإمكان الاستثمار بالعقول العلمية العربية في المشاريع الداخلية في المملكة، وقد يلعب القطاع الخاص في هذا الجانب دوراً مهماً، بحيث تُفتح له أسواق وموارد جديدة. إن أية شراكة بين بلدين أو أكثر تخلو من العامل الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري هي شراكة آيلة إلى الزوال، هذا في المجال الاقتصادي، أما في المجال الأمني فبالإمكان زيادة التعاون الأمني والاستخباراتي المشترك بين مسؤولين الأمن في العالم العربي وتبادل الخبرات، وقد يتم ذلك عبر إنشاء جهاز أمني جديد يعمل تحت مظلة الجامعة العربية، ينصب عمله على تبادل المعلومات الأمنية ومراقبة أي خطر على أي من الدول الأعضاء. وفي المجال العسكري، فإنه من الضروري العمل على استكمال إنشاء القوة العربية الموحدة والتي أعلن عنها بيان القمة العربية الـ28 في شرم الشيخ، وتحديد أهداف هذه القوة بوضوح وآليات عملها واستخدامها. إن دول العالم العربي من غير قيادة هو الطريق المؤكد لسقوطها واحدة تلو الأخرى، كأحجار لعبة «الدومينو»، وإن المملكة هي الدولة الوحيدة القادرة على القيام بمهمات القيادة في هذا الوقت الراهن، فإما الاصطفاف خلف المملكة ودعمها وإعانتها وإما الفرقة في زمنٍ يأكل فيه القوي الضعيف، وحتى لا نقول: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»! * باحث سياسي.