في مطلع العام الحالي، عندما هبطت أسعار النفط إلى مستويات حول 30 دولارا، أصاب الهلع جميع الدول المنتجة للنفط، وتحركت بعض الدول من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» في الخفاء لفعل شيء ما، ووجدت ضالتها في وزير الطاقة الفنزويلي إيلوجيو ديل بينو. وفي خلال أسابيع بسيطة، زار ديل بينو روسيا والسعودية وقطر، وقرب وجهات النظر بين الجميع، وانتهى المطاف بهم في عقد اجتماع كان من المفترض أن يكون سريًا في العاصمة القطرية الدوحة في فبراير (شباط) الماضي. ومن ثم تم الإعلان عنه وعن نتائجه واتفق وزراء الدول الأربعة (السعودية، قطر، روسيا، وفنزويلا) على اتفاق مبدئي لتثبيت إنتاجهم عند مستويات شهر يناير (كانون الثاني)؛ شريطة أن ينضم إليه كل المنتجين الكبار. لقد لعب ديل بينو دورًا مهمًا في الواجهة، في حين لعب الباقون أدوارًا أخرى في الخفاء. ولكن المحادثات انهارت في الدوحة في أبريل (نيسان) بعد أن اجتمع وزراء 16 دولة من دون حضور إيران تحت إصرار السعودية أن تكون إيران جزءا من أي اتفاق. والآن، وبعد أربعة أشهر من انهيار اتفاق الدوحة، عادت المحادثات من جديد. وكان التحرك الأول لفنزويلا التي لا تزال حتى اليوم هي أكثر دول «أوبك» تضررًا من الأسعار الحالية، بل إن اقتصادها على شفير الانهيار. ولكن المهندس للمحادثات الحالية ليس ديل بينو، بل النيجيري محمد السنوسي باركيندو الأمين العام الحالي للمنظمة. وأكدت ثلاثة مصادر في «أوبك» لـ«الشرق الأوسط» أن باركيندو هو الذي يتولى حاليًا الحوار بين الدول في المنظمة من أجل إقناعهم بتجميد الإنتاج لدعم أسعار النفط التي فقدت نصف قيمتها منذ منتصف عام 2014. أما بالنسبة للحوار مع باقي المنتجين خارج «أوبك» فإن المسألة بيد الوزراء، خصوصا وزير قطر الدكتور محمد السادة، الذي يرأس مؤتمر «أوبك» الوزاري هذا العام. وتسلم باركيندو المنصب أول أيام شهر أغسطس (آب) الحالي، ولم يضيع كثيرا من الوقت وها هو مشغول الآن بالتجهيز للاجتماع القادم المهم للمنظمة في العاصمة الجزائرية. والتقى باركيندو بكثير من السفراء في «أوبك». ويعتزم الأمين العام الجديد لـ«أوبك» زيارة إيران وقطر الشهر المقبل، أي قبل أسابيع قليلة من عقد المنظمة لمحادثات غير رسمية في الجزائر، وذلك حسب ما ذكر مصدران لـ«الشرق الأوسط». وأوضح أحد المصادر، الذي رفض الكشف عن هويته، أن باركيندو التقى في وقت سابق هذا الأسبوع وزير الطاقة الفنزويلي ديل بينو. هذا، وستلتقي الدول الأعضاء بمنظمة «أوبك» في الجزائر خلال منتدى الطاقة الدولي الخامس عشر في الفترة من السادس والعشرين وحتى الثامن والعشرين من سبتمبر (أيلول). وارتفعت أسعار النفط 13 في المائة في الأسبوعين الماضيين وسط تكهنات بأن المجموعة قد تعيد إحياء اتفاق تجميد الإنتاج مع دول غير أعضاء مثل روسيا، بعد فشل مبادرة مماثلة في أبريل. ويعلق المحلل عبد الصمد العوضي: «باركيندو شخصية محبوبة ولطيفة في أوبك، ولكن إقناع الوزراء بالتجميد يتطلب مواجهة الوزراء لبعضهم؛ وليس من خلال باركيندو». وتقول المصادر إن مواقف إيران والعراق غير واضحة، ولا تزال عقبة أمام الوصول إلى أي اتفاق؛ إذ قالت المصادر إن إيران أبلغت «أوبك» رسميًا أنها ستحضر اجتماع الجزائر الشهر المقبل، ولكن وزارة النفط الإيرانية أبلغت «بلومبيرغ» أن الوزير بيجن زنغنه لم يتخذ قرارًا حول المشاركة من عدمه. وموقف إيران الرسمي المعلن حتى الآن هو أنها ترفض الدخول في أي اتفاق لتجميد الإنتاج حتى تستعيد حصتها السوقية التي فقدتها منذ عام 2012، عندما فرض عليها حظر نفطي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب برنامجها النووي. وتم رفع الحظر مطلع العام الحالي، ومنذ ذلك الحين وإيران لا تفكر سوى في زيادة إنتاجها وصادراتها، وغير مهتمة بأي خفض أو تجميد للإنتاج. أما العراق، فموقفه الرسمي تم إعلانه أول من أمس على لسان رئيس وزرائه حيدر العبادي، الذي قال إن بلاده لم تصل بعد إلى كامل حصتها بسوق النفط، في إشارة واضحة إلى أن بغداد تفضل عدم كبح إنتاجها من الخام في إطار أي اتفاق تتوصل إليه «أوبك» لرفع الأسعار. وأبلغ العبادي مؤتمرا صحافيا في بغداد ردا على سؤال إن كانت الحكومة ترحب بمثل هذا الاتفاق: «العراق ما زال دون ما ينبغي أن ينتج». وقال أحد المصادر إن الإشارات التي جاءت من السعودية كذلك غير واضحة، ففي حين صرح وزير الطاقة السعودية خالد الفالح أن بلاده ستفعل أي شيء لاستقرار السوق، خرجت تصريحات على «رويترز» تقول إن السعودية لمحت للسوق أنها ستزيد إنتاجها إلى مستوى تاريخي في أغسطس كذلك، إلى جانب المستوى التاريخي الذي وصلت إليه في يوليو (تموز) عند 10.67 مليون برميل يوميًا.
مشاركة :