ممانعة جديدة في شرق أوسط جديد

  • 8/27/2016
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

إعادة التذكير بكلمة ممانعة أمر ضروري، وفائدة التذكير ترتبط بمعاينة معنى حاضر الممانعة، بعد المرور سريعاً على معنى ماضيها. لقد ابتكر النظام السوري وصفاً سياسياً لمواقفه الممتنعة عن خوض الصراع ضد إسرائيل، بعد أن عجز عن التمسك المستدام بمقولة الصراع ومترتباته، وسحب النظام إياه الوصف فجعله غطاءً لسياساته وعلاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية أولاً، وعلى السائرين في ركاب خططها سيراً إجمالياً من الدول الغربية، ومن الدول العربية والإقليمية، ولأن الموقف الأميركي كان وما زال يعتنق تفسيراً إسرائيلياً لأسس الصراع العربي – الصهيوني، ولاقتراحات حلوله، فإن الممانعة السورية، ومن قال قولها لاحقاً، صارت امتناعاً عن القبول بالسياسات المعروضة، وصارت أيضاً طلباً لتليين شروطها وتخفيف أثقالها، للانتقال من الامتناع عن قبولها، إلى الرضى بتقديماتها والانخراط لاحقاً بمنظومتها السياسية العامة. إذاً، في البدء غابت قضية الصراع ضد الهيمنة الأميركية، وفي الأصل تراجعت مقولة الصراع المسلح ضد إسرائيل. وللبدء والأصل تاريخ مرجعي واحد، أو لنقل إنه التاريخ المرجعي الأبرز، الذي بات معلوماً ومعروفاً بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وبعد كل التطورات السياسية التي رافقتها واستندت إليها. خلاصة القول إن الممانعة التي صارت من الماضي كانت حركةً انتظاريةً، وكل ما عُرف عنها في العلن لم يتجاوز التلاعب بالقضايا القومية وبالمسائل الوطنية، باسم كل القضايا والمسائل العربية والمحلية. أما ما عُرف عن هذه الممانعة في الكواليس، فموقفها المطلبي الدائم المؤلف من بند سياسي وحيد، هو تعديل الشروط القاسية المعروضة وتقديم شروط أقل قسوة منها. راهناً، صارت الممانعة من الماضي، فلقد ذهب نظامها المتماسك ذهاباً فعلياً، وما هو موجود في سورية اليوم لا يتعدى لوحة صراع ومتصارعين، بحيث لا مركز يتحلق حوله الكيان السوري المعروف، ولا استقلالية لكيان سياسي نظامي مؤهل لقيادة سياسة ممركزة ومركزية واحدة. بهذا المعنى، صارت الممانعة قديمة، وصار نظامها متداعياً، أما عملية الترميم التي يحاولها الحلفاء الجدد، فإنها نافعة لسياسات الحلفاء فقط، وهي ستأخذ في طريقها أيضاً الأساسي من المصالح الوطنية السورية. عند عرض أساليب تثبيت الممانعة، ومحاولة إبقائها واقفةً ولو وقوفاً مشهدياً، نقرأ كلمة «مقاومة» بدل كلمة ممانعة، فالكلمة هذه تنطوي على شحنة إيجابية تتضمن الانفعال والفعل في الوقت ذاته، ويجتمع تحت سقفها الانتظار والمبادرة. مظلة كلمة المقاومة وحاضنتها السياسية، منظومة «المحور المقاوم»، هكذا جرى استبدال مركز بمركز، فبعد أن كانت القضية المركزية هي القضية العروبية بمتفرعاتها، وبعد أن كانت العاصمة السورية دمشق، قلبها النابض، أي بعد هذه الخصوصية التعريفية، جرى الانتقال إلى تعميم «مقاوم» ينتقي أهدافه وفق اللحظة السياسية المناسبة، ويختار خصومه وحلفاءه وفق أولويات مركز «المحور المقاوم»، الذي هو الجمهورية الإسلامية في إيران اليوم. وفقاً لحسابات عروبية، ومن دون ابتعاد عن واقع الحال، هذا نقل للاهتمامات العروبية من عروبتها الداخلية إلى «لا عروبة» خارجية، وهذا أيضاً فرز للمكونات العربية على أساس عناصرها الفئوية النابذة، وليس جمعاً على أساس معطياتها العروبية الجاذبة. هذا الانتقال بالقضايا يشكل أمراً جديداً، وجديد أيضاً ترحيل مراكز القضايا، وفي سياق الجديدين المنوّه عنهما هناك جديد ثالث، هو مشهد الانهيارات الكيانية العربية، التي باتت جديدةً بمعنى معطياتها التي لم تكن معروضةً على لوحة الحاضر، وباتت غير متوقعة المآل المرجح حتى تاريخه، في القادم من المستقبل القريب. على طريقة المعادلة المتعاكسة، جديد الممانعة العربية، وجديد «المقاومة» العربية وغير العربية، وجهته ليست الأمام، بل هو حركة نكوصية صوب الماضي، مما يتيح للمتابع القول، إن حصيلة الممانعة، وخلاصة «محور المقاومة»، تشكلان عودةً جديدةً، أي حديثةً إلى الوراء، أي إلى زمن انحطاط، عرفت المنطقة العربية الكثير من ألوانه. لكن الجديد الانحطاطي هذا، الذي قادته الأنظمة العربية الممانعة سابقاً، وتقوده «السياسة المقاومة» حالياً، يقدم بطاقة اعتماده إلى خريطة الشرق الأوسط الجديد، الذي أعلنت عنه السياسة الأميركية في العراق وفي أفغانستان، الشرق الذي طمح الأميركيون إلى جعله جديداً ومتناسباً مع «أوهامهم الديموقراطية»، فصار جديداً في انهياره أيضاً، لذا باتت الصورة على الشكل الآتي: جديد انحطاطي ممانع ومقاوم، يشكل جزءاً من جديد انحطاط شرق أوسطي عام، يحاول أن يتبوأ مركزاً متقدماً ضمن صفوف المرشحين لإدارة هذا الانحطاط. في هذا المشهد، يجب قراءة بعض من الأسباب الكامنة خلف مواقف الإدارة من بعيد، التي تتخذها الإدارة الأميركية، فهذه وعلى طريقة الإنتاج الصناعي، تتخلى عن خطوط السياسات ذات الربحية المتضائلة، مثلما تتخلى عن خطوط الصناعات التي لا تتمتع بميزات القيمة الزائدة. هذا يعني، أن السياسة الأميركية، التي تنسب إليها نظرية المؤامرة، تترك «للمنتجبين السياسيين» القليلي الكفاءة، كل السياسات التي تريد لسياساتها العليا التخلص من أعبائها. إذاً، سيكون على المنطقة أن تشهد المزيد من التزاحم على إدارة المتروك من السياسة الأميركية، وسيبدي المتنافسون حماسةً وهم يظهرون كفاءتهم في الانخراط في سياق سياسات المؤامرة، والمساهمة في تمتين خيوطها، طالما أن هذه الخيوط تلتف أولاً حول أعناق الشعوب التي تهتف ضد المؤامرة، وتكون من ثمَّ في طليعة المشنوقين بنتائجها، ودائماً بأيدي القادة الذين لا ينامون من دون التنبيه إلى أخطار المؤامرة.     * كاتب لبناني

مشاركة :