منطقة شرق أوسط جديدة بدأت للتو في التبلور

  • 5/18/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

على مدى عقود اتبعت الرياض سياسة التغيير بشكل تدريجي وغير ملحوظ، مُحدثة بذلك موجات تغيير قليلة في العالم، وداخل المنطقة بشكل خاص وربما داخل السعودية نفسها تعج منطقة الشرق الأوسط بالأحداث المثيرة للاهتمام، فهي منطقة تتميز أحيانا بعدم الاستقرار لكن ثقافتها وروحها ظلتا مستقرتين لمدة قرن تقريبا. ولعقود من الزمان، كان من السهل نسبيا التنبؤ بالخطوات التي ستتم في هذه المنطقة بشكل عام. ولكن يبدو أن كل هذا يتغير الآن، ولا سيما بعد أن جذب الربيع العربي والصراع اليمني والأزمة السورية انتباه العالم. بشكل غير ملحوظ، هناك منطقة شرق أوسط جديدة، بما في ذلك تحالفات جديدة، بدأت للتو في التكون والتبلور. لن يكون الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين هو نفس منطقة الشرق الأوسط التي اعتدنا عليها في القرن العشرين. وأبرز مثال على ذلك، المملكة العربية السعودية. على مدى عقود، اتبعت الرياض سياسة التغيير بشكل تدريجي وغير ملحوظ، مُحدثة بذلك موجات تغيير قليلة في العالم، وداخل المنطقة بشكل خاص وربما داخل السعودية نفسها. بدأ ذلك التغيير في عهد العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. ثم تسارعت وتيرة هذه التغييرات في عهد العاهل السعودي الحالي، الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المحرك الأساسي لهذا التحول والتغيير. وبينما جذبت هذه التغييرات، التي تناولت حقوق المرأة من حيث السماح لها بقيادة السيارة، وكذلك التحولات الثقافية مثل إعادة افتتاح دور السينما، انتباه الكثير من دول الغرب، إلا أن المبادرات الاقتصادية كانت أكثر أهمية. عكست زيارات الأمير محمد بن سلمان الأخيرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا رغبته في إقامة علاقات تجارية جديدة مع الغرب. في الوقت نفسه، تتطلع السعودية نحو الشرق من خلال تبنّي علاقات اقتصادية مع الصين وتوقيع صفقة ضخمة مع الهند. وهذه إشارة واضحة للولايات المتحدة تفيد بأنه على الرغم من العلاقات الوثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والسنوات الطويلة من الوفاق السعودي الأميركي، ستعمل السعودية في ثوبها الجديد مع أي دولة. رغم العلاقات الوثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والسنوات الطويلة من الوفاق السعودي الأميركي، ستعمل السعودية في ثوبها الجديد مع أي دولة لكن السعودية ليست البلد الوحيد الذي يأخذ مسارا مختلفا في القرن الحادي والعشرين؛ فتركيا مثلا تحولت بطريقة سلبية إلى حد كبير وبشكل أكثر اضطرابا، وربما أكثر تدميرا؛ حيث يسير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدولته بعيدا عن ماضيها الديمقراطي متجها بدلا عن ذلك نحو مستقبل أكثر استبدادا. علاوة على ذلك، وضع أردوغان حدودا للعلاقة الرابطة بين دولته ودولة الولايات المتحدة، متجها أكثر إلى توطيد علاقاته مع روسيا التي تبذل كل ما في وسعها لتكون لاعبا محوريّا في منطقة الشرق الأوسط. إذن، ما هو مجال النفوذ الذي ستدخله تركيا بعد 20 عاما؟ ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال بالنظر إلى شخصية أردوغان التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها. ومع ذلك، مهما كانت الوجهة التي تختارها أنقرة، ستكون لهذا الاختيار تداعيات مهمة. هناك أيضا بعض التساؤلات والتغييرات الرئيسية الأخرى التي ستحدث في المنطقة خلال العقد القادم، ما الذي سيترتب على فوضى سوريا؟ وهل سيبقى بشار الأسد في السلطة؟ إلى ماذا سيؤول مستقبل العراق؟ هل سيبقى دولة واحدة أم سينقسم في النهاية إلى ثلاث دول؟ ماذا عن مستقبل الأكراد؟ هل يمكن أن نرى في النهاية دولة كردية موحدة خلال 10 - 15 سنة قادمة؟ كيف ستستجيب دول أخرى في المنطقة لذلك التطور؟ وأي نوع من التنظيم الإقليمي الذي سيولد من بقايا مجلس التعاون الخليجي؟ هل سيستمر الخلاف بين قطر وجيرانها لسنوات قادمة؟ وأخيرا، هناك مسألة الولايات المتحدة وروسيا. ففي ظل الإدارتين السابقتين في الولايات المتحدة، تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة بشكل عام، وعلى العكس تزايدَ الوجودُ الروسي. وإذا استمر هذا الاتجاه فستكون هناك نتائج هامة، خاصة بالنسبة إلى المسألة السعودية الإيرانية التي ستؤثر بدورها على الوضع الإقليمي، وسيكون الشرق الأوسط مختلفا تماما عن المنطقة التي اعتدنا رؤيتها.

مشاركة :