عند مدخل مدينة السعيدية على أقصى شرق الساحل المتوسطي المغربي، تتواجد نقطة حدودية فريدة من نوعها ما بين المغرب والجزائر، تشكل وحدها صورة واضحة لعلاقات التوتر ما بين البلدين الجارين وتداعياتها على شعبيهما. غير أن هذه الحدود لم تعد كافية على ما يبدو بالنسبة لسلطات البلدين للفصل بينهما، حيث قررت السلطات الجزائرية قبل حوالي أسبوع على حدودها مع المغرب، التي سبق له بدوره أن سور على حدوده طوله أكثر من 100 كيلومتر، مجهزاً بالكثير من الوسائل التكنولوجية التي تسهل مراقبة حركة المرور. هذه الإجراءات المضافة لحفره وتوسيعه على الجهة الجزائرية من الحدود تجعل فرص صلة الرحم بين العائلات التي قسمتها الجغرافيا بين البلدين تقل وتصعب يوماً بعد يوم، لتزداد معاناتها مع التمزق الأسري. مشهد من الحدود تحمل النقطة الحدودية بين المغرب والجزائر اسم "بين لجراف"، ويتكون المشهد فيها من موقف للسيارات والأفراد من جانبي الحدود معززاً بعدة أعلام ترفرف، محددة هوية كل جانب على الحدود. ويفصل بين البلدين عند هذه النقطة وادي كثيف الخضرة، يتناوب على جانبيه بشكل مستمر مغاربة وجزائريون يلوحون لبعضهم بحرارة، ويتبادلون التحيات والكلام بصوت مرتفع، وفي كثير من الأحيان يكون هؤلاء أفراد عائلة واحدة تفصل بينهم بضعة أمتار. غير أن أفراد هذه العائلة لا يستطيعون تجاوز تلك الأمتار؛ لأن هناك مسافات بعيدة من التوتر ما بين البلدين تغلق في وجههم باب اللقاء عبر الحدود البرية المقفلة منذ عام 1996، ومنذ ذلك التاريخ ووعود إعادة فتح الحدود تطفو لتخبو كسراب، موجعاً قلوب عائلات موزعة ما بين طرفي الحدود المغربية الجزائرية. وحتى وقت قريب، ورغم إغلاق الحدود البرية ما بين البلدين، كان أفراد العائلات المختلطة يتمكنون من التواصل عبر تجاوز الحدود البرية من نقاط مفتوحة يستعملها في العادة مهربو السلع والمحروقات، ولكن هذه الحدود عرفت في المدة الأخيرة سلسلة من الإجراءات من الجانبين صعبت عمليات العبور المتسلل لأفراد العائلات التي تتم بكثافة، خاصة عند المناسبات العائلية أو الأعياد الدينية. تسييج وخنادق وجدار الصحفي عزالدين المريني المقيم في مدينة وجدة والمتابع لملف تطورات الحدود المغربية الجزائرية يقول لـ"هافينغتون بوست عربي" إن السلطات الجزائرية قامت بدايةً قبل سنتين على طول الحدود قبل أن تقوم في مرحلة ثانية بتوسيع هذه الخنادق رغم احتجاجات مواطنين جزائريين يقطنون قرب الحدود، ويعتبرون تهريب المحروقات مورداً وحيداً لرزقهم. ومن الجانب المغربي نفذت السلطات عملية تسييج وبناء سور تجاوز طوله 100 كيلومتر، معززاً في بعض المواقع بتجهيزات إلكترونية وكاميرات من أجل المراقبة بدعوى منع تسلل المتطرفين والأسلحة. "غير أن هذا الأمر لم يكن كافياً على ما يبدو بالنسبة للسلطات الجزائرية"، يضيف المريني، حيث بدأت قبل حوالي الأسبوع في بناء جدار إسمنتي على حدودها مع المغرب بهدف منع التهريب، حسب ما أكدته وسائل إعلام محلية عدة. زيادة خندقة الحدود المغربية الجزائرية بشكل يكاد يجعل من المستحيل عبورها، خاصة أن عناصر حرس الحدود الجزائري لا يترددون في إطلاق النار على أي حركة مشبوهة، أصبح مؤرقاً للساكنة القريبة من الحدود بين البلدين، خاصة أن كثيراً من هؤلاء يعد بالنسبة لهم العمل في تهريب المحروقات والسلع عبرها مورد الرزق الوحيد. معاناة الأسر هذا الوضع أثار احتجاجات بين ساكنة المنطقة الحدودية، ولكن ما يزيد غضب هذه الساكنة أكثر هو صعوبة الزيارات الأسرية الآن بالنسبة للعائلات المتفرقة بين البلدين. ويحكي يحيى، وهو مواطن مغربي مقيم بمدينة وجدة أكبر حاضرة مغربية قرب الحدود المغربية الجزائرية، لـ"هافينغتون بوست عربي" عن معاناته عند اقتراب كل مناسبة دينية أو حفل خاص بالأسرة. ويقول إن "عيد الأضحى قريب وقد تعودت على زيارة شقيقتي المتزوجة من جزائري بأن أعبر الحدود متسللاً فأبارك لها ولعائلتها ثم أعود في نفس اليوم، ولكن الأمر الآن أصبح مستحيلاً مع هذه الخنادق والأسوار ورصاص حرس الحدود". ويضيف يحيى أنه "لكي ألتقي شقيقتي اليوم عليّ السفر حتى الدار البيضاء على بعد مئات الكيلومترات، وركوب الطائرة إلى الجزائر العاصمة والسفر لمئات الكيلومترات براً لأصل إلى بيت شقيقتي الذي لا يفصلني عنه إلا ساعة زمن من هنا"، قبل أن يتساءل: "أليس هذا منكراً؟!". ماذا عن فتح الحدود؟ محمد الهرواشي، رئيس جمعية "المغاربة ضحايا التهجير القسري من الجزائر"، وهي جمعية تُعنى بملف المغاربة الذين طردتهم الجزائر سنة 1975، وعددهم حوالي 350 ألف شخص، على إثر ضم المغرب الصحراء لأراضيها وهو ما رفضه نظام الرئيس الهواري بومدين حينها. ويقول الهرواشي في تصريح لـ"هافينغتون بوست عربي" إن قرار السلطات الجزائرية بناء جدار إسمنتي على الحدود مع المغرب "دليل على عدم جديتهم في إعادة فتح هذه الحدود، ودليل أيضاً على أنهم لا يأخذون بعين الاعتبار معاناة الأسر المنقسمة ما بين طرفي الحدود، التي تزيد آلامها مع هذا القرار". وأمام هذه التطورات، طالبت جمعية المستهلكين في الجزائر قبل حوالي أسبوع رئيس الحكومة الجزائرية بإطلاق خط جوي بين مدينة وجدة في الشرق المغربي ومدينة وهران في الغرب الجزائري لتقريب المسافة ما بين البلدين عوضاً عن الخط الجوي الحالي بين الدار البيضاء والجزائر العاصمة. وقالت الجمعية، حسب ما نشرته ، إن الخط الحالي لا يخدم مصلحة الساكنة المغربية والجزائرية على الحدود بين البلدين، التي في أغلبها امتداد طبيعي لبعضهما وتجمعها قرابات عائلية تقطع رحمها خنادق وأسوار الحدود.
مشاركة :