«أولاد حارتنا»... سيرة رواية «ملعونة» 2 - 7

  • 8/29/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في الحلقة الثانية من أولاد حارتنا... سيرة رواية ملعونة جولة ثانية من الحراك الثقافي والاجتماعي، الذي تسببت فيه جريدة الأهرام بنشر رواية نجيب محفوظ، إذ انتفض عدد كبير من ذوي الميول الأدبية التقليدية، من بينهم أدباء وصحافيون مصريون، للهجوم على الرواية حتى قبل أن يكتمل نشرها يومياً في واحدة من أكبر الصحف العربية. لدينا إجابات متعددة وحكايات كثيرة، بعضها رواه محفوظ نفسه، وبعضها الآخر تحدث عنه محمد حسنين هيكل، الاختلافات بين الروايات بسيطة، قد لا تغيّر الشيء الكثير... وصلت أولاد حارتنا إلى الأهرام عن طريق مدير تحريرها علي حمدي الجمال، وفي رواية أخرى عن طريق توفيق الحكيم، وفي رواية ثالثة عن طريق إحسان عبدالقدوس. في لقاء مع الأستاذ هيكل في مكتبه سألته عن التفاصيل، أجاب: «وصلت الرواية إلى علي حمدي الجمال، الذي شعر بقلق، وعطّل نشرها من دون أن يخبرني بأمرها، ويبدو أن نجيب محفوظ اشتكى لحسين فوزي الذي أخبرني بأمر الرواية، وقلت للأخير: لا نستطيع أن نحجب عملاً لمحفوظ مهما كان ناقداً وحاداً، خصوصاً أننا تمنينا عليه مراراً أن يكتب في الأهرام ووسطنا توفيق الحكيم أكثر من مرة، ولكن محفوظ طلب الانتظار حتى يحال إلى التقاعد». يواصل هيكل: «طلبت «الجمّال» ليحضرها لي. أخذتها معي إلى المنزل وقررت نشرها فوراً وبشكل يومي لا كما كان يحدث سابقاً بأن تنشر الأعمال الأدبية بشكل أسبوعي. اتخذت هذا القرار لسببين: الأول، أن حجم الرواية كبير، ونشرها أسبوعياً قد يستغرق ما يقرب من عام كامل وهي فترة طويلة، قد تتيح لمن يريد أن يستغل الرواية دينياً أن يوقف نشرها. الثاني، لأنني أدركت رسالة الرواية وخطورتها». في البداية، مرّ نشر الرواية بهدوء شديد، لكن عقب نشر الحلقة السابعة عشرة بدأت شكاوى وبلاغات عدة ضدّ «أولاد حارتنا» تطالب بتحرك الأزهر لوقف النشر، فسأل عبدالناصر هيكل عن الحكاية، فأوضح له ملابساتها، مختتما: «رواية كتبها نجيب محفوظ لا بد من نشرها، حتى آخر كلمة»، فقبل عبدالناصر استكمال النشر. ولكن مع تزايد صخب الشكاوى عاود عبد الناصر مناقشة الأمر مع هيكل الذي أنهاه بقوله: «خليهم يعملوا لجنة من رجال الأزهر ويفحصوا الرواية». ويوضح هيكل لي «مخرجه الغريب هذا» قائلاً: «أردت أن أكسب وقتاً لاستكمال ما تبقى من الرواية، وجاء قرار اللجنة بالمنع، وكان ذلك قبل عشرة أيام من انتهاء النشر، لكن الأخير استمر حتى نهاية الرواية، وقد حرصت على أن أختم الحلقة الأخيرة بعبارة: «انتهت الرواية». ويبدو أن هيكل استشعر مبكراً مع بداية نشر الرواية، ما ستجره عليه من تداعيات، كان من بينها هجوم عنيف على الرواية طاول في جانب منه «الأهرام»، كان أحد الدوافع التي حدت به إلى أن يكتب، بعد أسبوع من بدء نشر «أولاد حارتنا»، مقالاً قصيراً في الصفحة السادسة في الصحيفة بعنوان «حرية التعبير»، كان أشبه ببداية «هجوم مضاد» أظهر فيه دفاعاً حاراً عن حرية الأدباء والكّتاب، وزاد هيكل جهده في «المعركة» الناشبة بإتاحة مساحات داخل صفحات «الأهرام» لمقالات ورسائل القراء تتحدث عن مشكلات المجتمع وتنتقد النظام، بلطف، وكان لافتاً في المقال القصير تأكيد هيكل على أن: «من أهم المشاكل التي تواجهنا اليوم، مشكلة حرية الرأي، بل إنها أكبر كثيراً من الحد المفهوم من وصف «مشكلة»، ذلك أنه في هذه المرحلة من تاريخ تطورنا، السياسي والاجتماعي والفكري لا بد من أن يبرز الرأي الحر ليكون المقدمة الحقيقية للركب وهو يسير، والدليل الأمين للقافلة وهي تسعى إلى المستقبل. ولكن الرأي الحر في بلادنا لا يمارس الآن هذا الدور الخطير، لأسباب عدة: أسباب عامة تتصل بظروف الحياة، وأسباب خاصة متصلة بأدوات التعبير عن الرأي ووسائله. من الأسباب العامة مثلاً: أنه في ظروف الحياة السريعة التي نعيشها الآن، طغى الخبر على الرأي وغطت الحادثة على الفكرة، ومن الأسباب الخاصة المتصلة بأدوات التعبير، أن الصحافة وهي أول هذه الأدوات تعيش تحت رقابة قاسية‍‍! والمحنة الحقيقية أن هذه الرقابة ليست فرضاً على الصحافة من الخارج، إنما هي قيد من الداخـل، والأسباب كثيرة: أولها، أن صحافتنا، في كثير من الأحيان، لم تستطع أن تتحول بعد، عن كونها صحافة شخصية، ومن هنا فإن تعبيرها عن «الرأي الخاص» لأصحابها ومحرريها أشد ظهوراً من تعبيرها عن «الرأي العام» لمجتمع بأكمله على اختلاف طبقاته. ثانيهما، أن صحافتنا، حين أعوزها إيمانها الأصيل بغايات محددة ووسائل إلى هذه الغايات، تركت رسالة التوجيه، واقتصرت على «المسايرة»، «مسايرة» الحوادث على علاتها، و«مسايرة» التطورات كما تجيء». وأضاف هيكل: «من هنا، وهذه حقيقة، فرضت الصحافة على نفسها ما لم يفرضه عليها غيرها أخذاً بالأحوط والأسهل، وإيثاراً للعافية والسلامة. وثمة من يتصورون أن ثمة رقابة من الدولة على الصحف، تقيد أيديها، وتعجز أقلامها، وليست تلك هي الحقيقة لحسن الحظ. ما من شك أن ثمة قيوداً على نشر التحركات العسكرية مثلاً، وعلى بعض المسائل المتصلة بأمن الدولة الخارجي، ولكنه في ما عدا ذلك ليس ثمة من يفرض علينا السكوت. الحقيقة، أننا، نحن الصحافة، سكتنا حين زحمتنا الحوادث فلم نجد لنا في وسطها رأياً، وحين بقينا على هامش التطورات نسايرها، ولا نغوص في أعماقها بحثاً عن الإيمان، نجاهر به، ونقاتل دفاعاً عنه. على أنه ينبغي أن يكون ثمة مفهوم لحرية الرأي. حرية الرأي ليست العناوين الثائرة الغاضبة على شخص بعينه، وليست الحملات المنطلقة في ضراوة ووحشية تبحث عن كبش فداء. حرية الرأي، هي حرية المناقشة. الفكر المتحرر داخل العقل مقدمة، وانطلاق هذا الفكر حديثاً ناطقاً على اللسان، أو حديثاً صامتاً على الورق نتيجة، وبغير المقدمات لا يمكن الوصول إلى النتائج، وبغير النتائج لا تصبح للمقدمات فائدة. هذا فهمنا لحرية الرأي، ولأجل هذا الفهم، وفي سبيله، هذه المحاولة التي تقوم بها الأهرام اليوم». لم يحذف هيكل بنفسه من الرواية حرفاً، ونفى بصورة قاطعة أن يكون قد طلب من محفوظ القيام بذلك، مؤكداً عدم صحة ما أوردته الباحثة السويدية مارينا ستاغ في كتابها «حدود حرية التعبير» عن بعض وقائع الأزمة، وتأكيدها أن هيكل طالب محفوظ بممارسة دور الرقيب على نفسه بحذف فقرات عدة منها يمكن أن تزيد المحتجين احتجاجاً. أدباء ... ومحرضون ولكن كيف بدأت المشكلات؟ قال محفوظ لرجاء النقاش في كتابه «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»: «بدأت الأزمة بعدما نشرت الصفحة الأدبية في جريدة «الجمهورية» خبراً يلفت النظر إلى أن الرواية المسلسلة التي تنشرها جريدة «الأهرام» فيها تعريض بالأنبياء. بعد هذا الخبر المثير، بدأ البعض، ومن بينهم أدباء للأسف، بإرسال عرائض وشكاوى يطالبون فيها بوقف نشر الرواية وتقديمها إلى المحاكمة. كذلك بدأ هؤلاء يحرضون الأزهر ضدي على أساس أن الرواية تتضمّن كفراً صريحاً، وأن الشخصيات الموجودة فيها ترمز إلى الأنبياء. عرفت هذه المعلومات عن طريق صديق لي هو الأستاذ مصطفى حبيب الذي كان يعمل سكرتيراً لشيخ الأزهر، وكان شقيقه يعمل وكيل نيابة، وأخبرني أن غالبية العرائض التي وصلت إلى النيابة العامة أرسلها أدباء». محفوظ أوضح في حوار آخر نشرته «الأهرام» (في 13 يناير 2007) مع عادل حمودة، وفي وجود محمد حسنين هيكل أنه «لم يكن ليلتفت أحد إلى ما في الرواية، لولا أن انتبه إليها كاتب يساري في جريدة «الجمهورية»: ربما أحمد عباس صالح أو سعد الدين وهبة، وقال: يا جماعة، خذوا بالكم، دي مش رواية عادية، دي رواية عن الأنبياء. ساعتها قامت القيامة». عريضة الاتهام التي يصوغها محفوظ ليست دقيقة في ما يتعلق: بأين، ومن، ومتى، بدأ الهجوم؟ قد يكون «صالح» أو «وهبة» شاركا في المعركة، لكن ليس في «الجمهورية» وليس في ذلك الوقت. إنما المؤكد أن أول هجوم على الرواية كان في مجلة «المصور»، في رسالة أرسلها قارئ يدعى «محمد أمين» إلى الشاعر صالح جودت محرر باب «أدب وفن» في 18 ديسمبر 1959، أي قبل اكتمال نشر الرواية بأسبوع كامل. اختار القارئ جودت، حسبما ذكر في رسالته المنشورة، لأنه «من القلائل الذين لم يدخلوا سوق النفاق»، واعتبر أن محفوظ في روايته الجديدة: «يحيد ويجانب كل أصول القصة، فكتابته الأخيرة لا هي رمزية ولا هي واقعية، ولا هي خيال، ولا تنطبق على أي قالب معروف». وأضاف: «جاء محفوظ ليتحدى معتقدات راسخة، ولهذا يتعذر على كائن من كان حتى ولو محفوظ نفسه أن يقدمها بمجرد كتابة قصة. التستر وراء الرموز أضعف قضية نجيب محفوظ في مجتمع يجلّ الدين بطبيعته». جودت ردّ على صاحب الرسالة: «لا أستطيع أن أحكم على القصة الأخيرة لمحفوظ، الذي لا شك في أنه يعد قصاص الطليعة عندنا اليوم، فإذا كان قد نحا في قصته الجديدة نحواً جديداً غير ما تعودناه في روائعه السابقة، فالحكم في ذلك لمن قرأوا القصة». ويضيف: «الباب مفتوح لرسائل القراء الذين قرأوا قصة محفوظ». لم تهاجم «الجمهورية» الرواية، على عكس ما حكى محفوظ، بل كان يوسف السباعي أحد أوائل المدافعين عن محفوظ عندما نشر مقالاً في يومياته بعنوان «نجيب محفوظ ولوم القراء» في 28 ديسمبر، أي بعد عشرة أيام من هجوم «المصور». السباعي هاجم صالح جودت، وكتب: «إذا تجاوزنا مديح القارئ للزميل «صالح جودت»، وبأنه الوحيد الذي يقف على بر النفاق وأن من عداه من الكتاب، سامحه الله، منافقون يتبادلون الثناء ويرفعون بعضهم البعض وهم لا شيء، إذا تجاوزنا عن مديح القارئ للزميل صالح ولعنه سلسفيل أجداد بقية الكتاب، وجدنا الرسالة تحمل على نجيب محفوظ، رغم تقدير القارئ له، حملة شعواء. ورغم أن الأستاذ صالح جودت أعفى نفسه من مسؤولية الخطاب وأبدى إعجابه وتقديره لنجيب محفوظ، فأنا لا أعفيه أبداً مما جاء في الرسالة، إلا إذا كان هو يعفيني من مسؤولية نشر خطاب قارئ يسبه فيه، لأن للقراء أن يلعنونا كلما شاؤوا، فلا يمكن أن يعجب كل قارئ بكل كاتب، وليس أكثر من المتبرمين الضائقين الخاملين. ويستطيع كل إنسان أن يقول في كل إنسان ما يقول ويرى فيه ما يرى، ولكنه لا يملك أن ينشر على الناس ما يرى وما يقول، إلا إذا كان هو نفسه مسؤولاً عما ينشر. أما إذا كان قارئاً فالمسؤول هو الكاتب نفسه، فأما أن يقره وينشره وإما ألا يقره، فيترك مسؤولية نشره لصاحبه. فينشر في أي مكان غير المكان الذي يكون هو نفسه مسؤولا عنه. وكان أولى بصاحب الرسالة، إذا لم يكن يقصد بها التشنيع الذي عاونه فيه الزميل صالح جودت أو كان على الأصح هو الركن الأساسي فيه، كان أولى أن يرسل الرسالة إلى نجيب محفوظ نفسه، إذا كان المقصود أن يبدي له رأيه في قصته». لم يكن في نية السباعي أن يعلّق، كما قال، على رسالة جودت لولا أنه سمع «أن بعض الجهات يرى وقف نشر القصة، فأحسست أن المسألة أكثر من مجرد رسالة قارئ وأن تفكيرنا يجب أن يكون أوسع وصدرنا يجب أن يكون أكثر رحابة، فالقصة لم تكتمل بعد، ولم نعرف ما يهدف إليه الكاتب من الأحداث والشخصيات. ونحن بإبداء الآراء الحانقة إنما نتعجل الحكم على شيء لم تكتمل بعد أركانه». لم يوضح السباعي في مقاله طبيعة الجهات التي تضغط لوقف الرواية، لكنه يذكر مبرراتها ويفندها: «سأفترض ما يفترضه القراء الحانقون على نجيب، وهو أنه صوّر البشرية بالحارة، وأنه يروي تاريخ البشرية في تاريخ الحارة، وأنه يرمز بشخصيات القصة إلى بعض الشخصيات البارزة في تاريخ البشرية ومن بينهم الرسل، وقد أثارت محاولاتهم إجراء عملية تطابق بين الشخصيات التي يرمز بها نجيب إلى الرسل، وبين الرسل أنفسهم، وهي عملية في ذاتها لا تخلو من التجني لأن الرمز لا يمكن أبداً أن يطابق في كل حذافيره الأصل وإلا لما كان ثمة داع للرمز(...). هل يمكن أن يبلغ بنا ضيق الأفق أن نطلب من نجيب محفوظ أن يجعل رموزه من أبناء الحارة يطابقون الرسل في كل ملامحهم وأفعالهم، أم يجب أن يكون لهم ما لبقية أهل الحارة من سمات كما تركنا للأسد والنسر سماتهما الحيوانية؟ وإذا طلبنا من نجيب ذلك، فلماذا لا يوفر على نفسه كتابة القصة ويوفر الرموز ويروي لنا سيرة الرسل كما أنزلت في الكتب السماوية وكما رواها التاريخ؟». وبعد صمت لأيام، استعاد صالح جودت زمام المبادرة بنشره، على مدى أكثر من ستة أسابيع، رسائل للقراء في «المصور» تتضمّن تعليقات مادحة تارة، وعنيفة ضد محفوظ وروايته طوراً، ثم كتب رداً على مقال السباعي مدفوعاً، حسبما ذكر، بأن صديقاً له سأله: «هل ثمة ناقد اسمه محمد أمين، أم أنك أردت أن تنتقد محفوظ من وراء ستارة اسمها محمد أمين؟». وأجاب: «ترددت في الإجابة عن هذا الصديق لأنني لم أحس في يوم من الأيام أن الشجاعة تنقصني لأنتقد أحداً مهما تكن صلتي به، ومهما تكن مكانته عند الناس، متى رأيت أنه يستحق النقد. رحت أقلب في الأوراق المتراكمة فوق مكتبي حتى ظفرت برسالة محمد أمين، فبحثت عن عنوانه، فلم أجد شيئاً غير كلمتي «شبين الكوم»... وأقول لكم الحق، لم تكفني هاتان الكلمتان، وداخلني شيء من الشك في حقيقة وجود محمد أمين ولم أستبعد أن يكون واحداً من خصوم محفوظ كتب هذه الرسالة واخترع هذا الاسم وأضاف هاتين الكلمتين!». لم يدم شكّ جودت طويلاً، إذ فوجئ، كما يكتب، برسالة أخرى من محمد أمين تثبت وجوده وتثبت عنوانه الكامل (3 ش عبد العزيز حبيب- شبين الكوم)... ومع الرسالة «صورة طبق الأصل وجهها أمين إلى يوسف السباعي يردّ فيها على ما كتبه في الجمهورية». كتب أمين للسباعي في نهاية رسالته (نقلا عن جودت): «هذه وجهة نظر فلاح، فهل لي أن أسمع ردك عليها بشرط أن تنسى لبضع لحظات أن نجيب محفوظ صديقك، وأنك تتعامل مع نكرة من الأرياف، وصفته في ساعة غضب بالخمول». بناء على محتوى الرسالة، يقترح جودت أن يتبنى السباعي بوصفه أميناً للمجلس الأعلى للفنون والآداب مبادرة للكشف عن المواهب الضائعة في أعماق الريف». لقيت مبادرة جودت ترحيباً من «أدباء الأقاليم»... وهو ما تبدّى في رسائل القراء التي نشرها للإشادة بها. ليختتم الحملة بالإشارة إلى أن يوسف السباعي اعتذر لأمين عن لفظ «الخاملين» الذي وصفه به في مقاله، معتبراً أن الكلمة «غلطة مطبعية وكثيراً ما تظلمنا المطابع!». لوحات فنية اختار هيكل رسومات الفنان الحسين فوزي (1905 - 1999) لتصاحب الرواية أثناء نشرها في «الأهرام». يسرد فوزي في جريدة «الأهالي» (1989) حكايته مع الرواية: «عندما جاءتني «أولاد حارتنا» كنت مريضاً بالحمى، ورغم ذلك خرجت من منزلي في الجيزة متوجهاً إلى جريدة «الأهرام» لمقابلة رئيس التحرير محمد حسنين هيكل. هناك تبادلت معه الرأي وأخذت الفكرة. بدأت بقراءة الرواية وفهمها، ووجدتها رواية حية، قوية. ألهمتني الصور، ثم قالب هذه الصور كما نشرت. والرواية لا ينطبق عليها ما أشاعه رجال الدين بعد ذلك من أنها تمسّ الأديان والرسل، الأمر الذي أدى إلى تعكير الجو حول الرواية، فلم يتح لها أن تحقق الدور الذي أراده لها مؤلفها، بما تحمل من معانٍ وأهداف عميقة. وأعترف أن الرواية، بمواقفها الرائعة ووصفها الجميل، أعطتني الفرصة لأقوم بدوري نحوها كفنان يخرج برسومه إلى مجال التعبير والتفسير، وعندما بدأت أنهض بهذا الدور في الصحافة المصرية توقفت الرواية. كان كثير من القراء من طلبتي في كليات الفنون الجميلة يقولون لي أثناء نشرها إنهم يحتفظون بالرواية لأجل رسومها. كذلك دفعت رسومها بعض من كان يجمعها من تلامذة المرحلة الثانوية إلى دخول كليات الفنون الجميلة». الصحافي نبيل فرج سأل فوزي: كيف تنظر الآن إلى هذه التجربة التي التقت فيها ريشة الفنان بقلم الروائي؟ أجاب: «أوجد هذا اللقاء حركة في الفن، جعلت من الرسوم الصحافية قيمة تثري العمل الفني وتجعله يتكلم ببيان واضح!».

مشاركة :