لا تصدق أقاويلهم وعلاجاتهم.. إنهم يخدعونك!

  • 8/27/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إلى من يهمه الأمر عبارة شائعة ننبهُ من خلالها المتلقي، بأن يولي الرسالة اهتمامه إن كان الأمر يعنيه، والعناية هنا يحددها هو، لا المرسل، إذ أنهُ هو من يحدد إن كان الأمر يهمهُ أم لا. إن هذه العبارة الشائعة، هي المفتتحُ لكتاب العلم الزائف للطبيب البريطاني بن جولديكر، والذي أصدرت طبيعتهُ العربية مؤسسة هنداوي عام (2015)، بترجمة محمد سعيد طنطاوي. في هذا الكتاب يتجهُ (بن جولديكر) لإسقاط العديد من العلوم الزائفة، خاصة تلك التي تتعلق بالأمور الطبية والصحية، وفق خط تصاعدي طبيعي بدءًا من حماقة الأدعياء، عبر المصداقية التي تمنحها لهم وسائل الإعلام السائدة، مروراً بحيل صناعة المواد الغذائية المكملة، وكوارث صناعة الدواء، ومأساة الصحافة العلمية، وصولاً إلى الحالات التي يودع فيها الأشخاص في السجون، أو يتعرضون فيها للسخرية منهم، أو للوفاة؛ بسبب سوء الفهم المستفحل في مجتمعنا للإحصاءات والدلائل، وبطبيعة الحال فإن (جولديكر) يتحدث هنا عن الحالة الغربية، والبريطانية بالتحديد، والتي تعد متقدمة، فما حالنا نحنُ في الدول التي تسير على خطى التنيمة إن أحببنا أن نجمل القول، أو دول العالم الثالث، إن أردنا أن نكون في حالةٍ وسطى، أوالدول المتخلفة على الصعيد العلمي إن أردنا أن نكون صرحاء. ينطلق (جولديكر) في البدء من مناقشة التجارب العلمية، وكيف يتم تلقي نتائجها، خاصة على صعيد وسائل الإعلام التي تصيغ القصص الأخبارية الجاذبة مقابل المصداقية العلمية، ففي فصله الأول (المادة) يكشف لنا زيف العديد من المنتجات التجارية التي تدعي قدرتها على إزالة السموم من الجسد بطرق مختلفة، ويكشف من خلال حديثه زيف هذه المواد التي تصبغ نتائجها بالصبغة العلمية، التي يروج لها باعتبارها أمورا مجربة وفعالية، وإن تفحصنا بشيء من الدقة، فإن هذه المنتجات يروج لها -هنا في البحرين- في العديد من المحال التجاربة، أو عبر شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعية، وبطبيعة الحال يخدع بها العديدون! وكذلك على مستوى (رياضة العقل) التي تشيع في المدارس البريطانية، كما يقول (جولديكر)، والتي تقوم على سلسلة من التمارين المعقدة والخاصة بالأطفال فإن هذه الرياضة الزائفة التي تستند على تفسيرات خاطئة لنتائج علوم الأعصاب، لا تغني ولا تسمن من جوع، وإذا ما أردنا البحث عن رديف لها في الحالة المحلية، فيمكننا أن ننظر بشيء من الريبة إلى (البرمجة اللغوية العصبية)، التي شاعت شيوعاً كبيراً، وأخذ المدربون لتفرعاتها يكثرون بصورة مدهشة! أما في الفصل الثالث، فيتجه (جولديكر) إلى مصنعي مستحضرات التجميل، وهذا الفصل قد يصيب الكثير من النساء بالصدمة، وكذلك العديد من الرجال، إذ يقول المؤلف بأن صناعة مستحضرات التجميل صناعة محكمة التنظيم، تدر أموالاً طائلة من منتجات لا قيمة لها، ومؤكدٌ بأن (جولديكر) لا يعمم على كافة الاستخدامات التي تستخدم فيها مستحضرات التجميل، إنما يتناول حالات بعينها، يشرحها تشريحاً وافياً، مبيناً زيف المصنعين والشركات، وكاشفاً عن تفاصيل تجبرنا على الأخذ بقوله بأن الناس لا يشترون مستحضرات التجميل الباهظة الثمن لأنهم يؤمنون ببساطة بفاعليتها، بل لأنها (تمثل ما هو أكثر تعقيداً من ذلك)؛ إذ تعتبر هذه المستحضرات سلع رفاهية، أشياء دالة على المكانة. ثم يتجهُ في الفصل الرابع لـ (العلاجات المثالية) والتي يدخل في إطارها الطب المكمل والبديل، ولا يسعنا هنا التفصيل في تفاصيل هذا الفصل، رغم كونه جوهر الكتاب كما يقول (جولديكر)، وعليه ترتكز الفصول التالية، إلا أننا يمكنُ أن نبين بأن المؤلف يرفض بشكلٍ قاطع هذه العلاجات الوهمية، رغم أنها قد تكون نافعة بسبب طقوسها لا فعاليتها، (وأشير هنا إلى كون المؤلف لا ينكر دور العلاج الوهمي، وقد خصص لهُ فصلاً كاملاً للحديث عن تفاصيله وكيفية عمله) ويكشف زيف الشركات القائمة على صناعة الدواء المرتكز على أساسيات المعالجات المثالية، ولا يفوتنا هنا أن نضم إلى قائمة العلاجات المثالية، العديد من العلاجات الشائعة في الوسط المحلي، والعربي، والتي تقوم على الشعوذات، والجان، والقراءات، وغير ذلك، من الأمور المفتقرة في بعضها لفهم التشخيص الحقيقي لحالة المريض، فكيف بعلاجه! وفي الفصل السادس، المعنون بـ (هراء الساعة) يجعل (بن جولديكر) من (مختصي التغذية) خصماً لهُ، فيأخذُ في نقدهم، وإن كان يقدم نماذج مسماة (في الفصول التالية)، إلا أنهُ يؤكد بأن هذه النماذج كفيلة بتعريف القارئ على الفئة التي تنتمي لها، كما أنهُ يوضح موقفهُ من نصائح الغذاء البسيط والمنطقي والصحي، إذ يقول اتباع نظام غذائي صحي بسيط، إلى جانب العديد من جوانب أسلوب الحياة الأخرى مسألة في غاية الأهمية، لكن يتجاوز حديث مختصي التغذية في وسائل الإعلام الأدلة؛ إذ يدور حديث هؤلاء -في كثير من الأحيان- حول بيع الأقراص العلاجية، وفي بعض الأحيان يدور حول بيع البدع الغذائية الجديدة، أو تشخيصات جديدة، أو ترسيخ الاعتماد على مختصي التغذية. ويطال نقد (جولديكر) وسائل الإعلام مبيناً في الفصل الثاني عشر (كيف تروج وسائل الإعلام لسوء فهم العامة للعلم)، ليتلوه فصل بعنوان (لماذا يصدق الأذكياء أمور غبية)، إذ يقول عندما يتعرض نظامنا المعرفي -الذي يعد أداتنا للتحقق من صحة الحقائق- للخداع، حينئذ، ومثل رؤية عمق في رسم مسطح، نتوصل إلى استنتاجات خاطئة حول الأشياء المجردة، ويقدم لنا (جولديكر) سلسلة من الأمور التي نخدع فهيا، رغم اعتقادنا بأناّ صائبون، فـ نحن نتعرض للمعلومات التي ترسخ معتقداتنا انتقائياً، وهو ما يعزى في جزء منه إلى أننا نعرض أنفسنا إلى (مواقف) تتأكد فيها تلك المعتقدات، (....) وفي جزء آخر إلى أننا نعرض أنفسنا بشكل انتقائي لـ (أشخاص) يرسخون معتقداتنا. ويتابع (جولديكر) تشريحهُ لحالة التزييف، وكيف تتم، إذ يستعرض في الفصل الرابع عشر المعنون بـ (الإحصاءات الرديئة) كيف يساء استخدام وفهم هذه الأرقام والعمليات الحسابية مراراً وكيف تخلق مخاوف طبية تعود بالضرر على مسار العلوم، والبحوث العلمية، إلى جانب كيف تسهم وسائل الإعلام بمختلف أشكالها في تعزيز هذه المخاوف، وارتكاب الأخطاء التي تترتب عليها عواقب وخيمة. يؤكد (جولديكر) بأنهُ لا يمكنك أن تقنع الناس بالمنطق بأن يتخلوا عن مواقف اعتنقوها دون أسس منطقي من البداية لهذا فهو أقدم على كتابة هذا الكتاب، وأهداهُ كما رأينا في المقدمة لمن يهمه الأمر، وهو كل شخص من الممكن أن يتخذ موقفاً عقلانياً يتبين من خلاله صحة الأمور، وهذا هو درس العلم الوحيد الذي أضمن به أنكم لن تكونوا الأشخاص الذين يرتكبون الأخطاء الحمقاء كما يقول، ويتبع ذلك بالتأكيد على صحة العلم في مقابل الأمور اللاعلمية أو الزائفة إذ يقول إذا رأيت أنك لا تزال على خلاف معي (بعد قراءة هذا الكتاب)، أقول لك: ستظل على خطأ، لكنك ستبدو وقتها أكثر تأنقاً ومتميزاً مما تبدو عليه حالياً. المصدر: سيد أحمد رضا:

مشاركة :