فوتوغرافيا وأدب بين الرمال والأساطير

  • 8/29/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعشق الشاعر اللبناني باللغة الفرنسية صلاح ستيتية الكتابة عن الطبيعة. يكتب عنها ليس فقط بصفتها مجموعة من العناصر والجغرافيا، بل أيضاً بصفتها حالة روحية وفسحة للتأمل في الذات والكون معاً. «واحة بين الرمل والأساطير» هو عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن منشورات «المكتبة الوطنية» في باريس، ويحمل تواقيع كلّ من صلاح ستيتية، والمصور الفوتوغرافي الفرنسي جان باتيست لورو، والفنان التشكيلي الجزائري رشيد قريشي الذي كتب كلمة الختام. الحديث عن الواحة هنا هو امتداد للحديث عن الصحراء، ولا يمكن فصل الواحدة منهما عن الأخرى إذ تتداخلان تداخل الليل والنهار. وسبق لستيتية أن كتب نصوصاً عدّة عن الصحراء ومدلولاتها الثقافية. أما في كتابه الجديد فهو يتحدث عن «صحراء الصحارى» التي تخترقها الواحات هنا وهناك، من شواطئ البحر الأطلسي، في المغرب، الى الصحراء العربية والعراق وإيران وتونس، وصولاً الى الصين، مروراً بإفريقيا. لكنّ هذا المدى الصحراوي ومعه واحاته هو اليوم مهدّد في وجوده، كما أنّ الإنسان نفسه مهدد، وهذا ما تعبّر عنه عبارة الشاعر بول فاليري التي استشهد بها المؤلف: «صرنا نعرف، من الآن فصاعداً، أننا حضارات آيلة إلى الموت». يصف الكتاب بصياغة تجمع بين الشعر والبحث جمال الصحراء وتلالها وواحاتها، وتبدو الصفحات بين أيدي القارئ كأنها صفحات من موسوعة ضخمة تضيء على كلّ ما يتعلّق بالصحارى والواحات منذ القدم حتى اليوم، في التاريخ وفي الأسطورة، على ألسنة الرحّالة والعابرين فيها أو أولئك الذين عاشوا في رحابها، أو حتى الذين لم يقصدوها يوماً لكنهم كتبوا من وحيها، شعراء وكتّاباً وعلماء. هكذا تلتقي تحت قبّة واحدة كوكبة من الأسماء، من الفلاسفة الإغريق الى امرئ القيس وطرفة بن العبد، ومن غبريال بونور وجاك بيرك إلى غاستون باشلار وتيودور مونو، إلى عدد كبير من الكتّاب الذين عبروا الصحراء، او تخيّلوها عن بعد، يكتب ستيتيّة عن هذا المدى المترامي الأطراف وعن الواحات التي تتوزع فيه كصلة وصل بين الماء واليابسة، ويثبت عدداً كبيراً من الأقوال والنصوص ومنها ما جاء على لسان عالِم الطبيعة والنبات الألماني فون مارتيوس: «حين أكون بين أشجار النخيل، أشعر بأنني دائم الفتوّة. بين النخيل أشعر بأنني أُبعَث حياً»... الصور الفوتوغرافية التي تحمل توقيع المصوّر جان باتيست لورو وترافق النص، تلتقط بحسّ شاعري وبدقّة كبيرة المدى الصحراوي الذي يمعن نص ستيتية في تشريحه ووصفه، كما تهاجر من صحراء إلى أخرى ومن واحة إلى أخرى، بحثاً عن الرمل والماء وألوان الغروب. أما النص الذي كتبه رشيد قريشي فهو رحلة في الصحراء يتداخل فيها التاريخ وتجربة الفنان الشخصية مع المدى الصحراوي، وحضور الصوفية فيها، كما يعرّج على «الكارثة الثقافيّة والبيئيّة»، على حد تعبيره، والتي تتمثّل في بيوت هجينة بُنيت على عجل ومن دون أيّ تصميم هندسي يراعي الصحراء والبيئة. في هذا الصدد، يستشهد ستيتية أيضاً بعبارة للكاتب الفرنسي بوريس فيان مؤدّاها أنّ «الصحراء هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن تدميره إلاّ من خلال البناء». فالبناء هناك، لا سيما العشوائي منه، يتناقض والصحراء بما هي «مكان الوجود المطلَق»، والواحة امتداد لها. وهنا يذكّر ستيتيّة كيف استوحت مخيّلة الفنانين والأدباء من الواحة، وكيف ركّزت الحضارة العربية والإسلامية، من الهند الشمالية والأندلس، ومن تاج محلّ إلى قصر الحمراء، على عناصر الطبيعة، الظلال والأشجار ونداوة الماء، ومنها خرجت كلّ الإشارات النباتية التي تطالعنا في الكتب والهندسة والحدائق و«مرايا الماء التي تعكس الكون وتضاعف من وجوده». «الواحة بين الرمل والأساطير» يشكّل مرجعاً حول موضوع الصحراء والواحة، وهو بمثابة صرخة ضدّ ما يتهدّد الأرض وما عليها. ويواكب صدور هذا الكتاب في فرنسا اليوم الحديث المتزايد عن مصير البيئة بحيث أنّ عدداً من الحكومات وأصحاب القرار دعوا الى اللقاء الذي احتضنته باريس أخيراً للبحث في الأخطار التي تواجه القارات الخمس وسبل التصدي لها.

مشاركة :