الظل في القصيدة الإماراتية.. تحولات الغياب والحضور

  • 8/30/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: محمد أبو عرب شكل الظل بمفهومه الشعري والفلسفي الجمالي أحد المفاهيم اللافتة في التجربة الشعرية العربية، فلا تكاد تخلو تجربة عربية كتبت في القرن العشرين، ولم تتوقف عند الظل وتتلمس جمالياته، وتحاكي وجوده، باعتباره مرادفاً للوجود وغارقاً في التجريد، وفي الوقت نفسه عصيّ على الإحاطة إلى الحد الذي تتعدد رؤاه ومفاهيمه في التجارب الشعرية، بحيث يصبح لكل مبدع ظله الذي يخصه ويتسمى باسمه. يمكن قراءة هذه الظلال وشاعريتها بالتوقف عند تجارب راسخة في المشهد الشعري الإماراتي، فالتجارب المحلية التي توقفت عند الظل، وفتحت الباب كاملاً على فهمه، لا يمكن المرور على مجمل ما طرحته، واشتغلت عليه في توظيف الظل، فمنها التجارب الرائدة الشعبية والفصيحة، ومنها التجارب المجددة في قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، إضافة إلى مجمل التجارب الشابة والمعاصرة التي شكلت هي الأخرى مسارات جديدة في استكناه مفهوم الظل وتلمس جماليات حضوره. تظهر تصورات لافتة لفكرة الظل في نماذج شعرية متقاربة في المساحة الزمنية والمناخ الثقافي الذي لمعت فيها هذه التجارب، ويمكن قراءتها من نماذج معروفة في الساحة المحلية مثل: الشعراء حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس اتحاد كتاب الإمارات والراحل أحمد راشد ثاني، وظبية خميس، إذ طرح كل منهم تساؤلات جمالية على فكرة الظل، فتكشفت في نصوصهم معالجات مغايرة للظل تتلمس مفهوم العتمة، ومفهوم الوجود وعدمه، والأنا و نفيها، وغيرها من المفاهيم. يكتب الشاعر حبيب الصايغ في إحدى قصائده، معالجة بصرية جمالية للظل، يتجاوز فيها الشكل المعتم القائم في أثر الأجسام، لينتج منه كائناً من لحم ودم، يتنفس، ويفكر، هادماً بذلك العلاقة التقليدية بين الإنسان وظله، وناقلاً الظل من الهامش إلى المتن، فيقول: إذ أهملتني سنوات الورد حاصرني ظلي عرقلني ظلي والشمس محدودبة الظهر كشكل بارد الشكل والظل يقظان. يفتح الصايغ الباب على سلسلة من التكوينات البصرية المتحركة التي يحضر فيها الظل بوصفه فاعلاً، فينتج من العبارة الأولى مفتاحاً ليدخل الظل في سياقه الحي، فيحاصره، ويعرقله، ويظل يقظان، إذ يحضر الظل عند الصايغ بوصفه كائناً كاملاً يتوارى فيه الفاعل الحقيقي فيغيب جسده، وتغيب صورته لتحضر خفة الظل ودلالة عتمته. مقابل ذلك الاشتغال الجمالي، تحفر الشاعرة ظبية خميس عميقاً في مفهوم الظل، محولة إياه، إلى معول يهدم فكرة الوحدة والعزلة، وكأنها تنفح الروح في إحدى ظلالها، ليصبح رفيقها الذي يمكنها أن تحاوره، وتبحث معه في حالها، فتبدد عزلتها بسيرة الهوى وكل ما يستدعيه من ذاكرة، فتقول: لي حال أراوغها/ وفي الصمت كلام يعزف/ القول/ رماده نار/ وناره ظل من ظليل / وهذا الهوى يفتنني/ لا وجه له.../ ظل أتبعه، أراقصه،/ أحدثه.../ وحيث يميل، أميل / خذني إلى نور أهدابك /في خفوت الظل/ الذي فيه أطير. تحاكي خميس ظلاً، ابتكرت منه باباً لتدخل إلى حالها، وتسرد حكاية قلبها في الهوى، فليس الصمت كلاماً في قصيدتها وحسب، وإنما النار بكل ما فيها من ضوء هي عتمة كامنة في الظل، والهوى في سيرتها ليس سوى ظل تتبعه، وتتحدث إليه، وتميل حيث يميل، إلى الحد الذي يأخذها حيث فكرة الطيران فتتعالى فيه وتسمو. تشتغل خميس في معالجتها لمفهوم الظل على صفات هذا الظل وليس الظل نفسه، فهي تحتاج إلى فكرة العتمة فيه، وتحتاج إلى خفته، وتخلصه من المادة، وفي الوقت ذاته خفته، وقدرته على الحضور المقابل لأي ضوء. يظل الظل مشرعاً على البحث والتأويل والحفر الشعري الجمالي إلى الحد الذي يظهر في تجربة الشاعر أحمد راشد ثاني، مغايراً عن حضوره في تجربة الشعراء الآخرين، فهو يتجاوز ليصل إلى قلب العتمة فيه، وما يمكن أن يحدثه حضورها- أي العتمة- من جماليات في بناء نصه البصري المحتشد بالرمزية، فيقول: اختفى الماءُ في ظل البئر حتى عطشتِ العاصفةُ، وكفَّتِ النخلةُ عن حياكةِ الليفِ قبرُكَ قربَ البحرِ الموجةُ التي في قبركَ سقطتْ من السماء الجبلُ سقى قبرَكَ بالظّل الاشتغال الذي يقدمه راشد ثاني على الظل، يظهر في توقفه ملياً عند مفهوم العتمة، وما تشير إليه من دلالات الغياب والتواري، فالظل في نصه يشبه الليل، إذ يختفي الماء في ظل البئر، وفي الوقت ذاته، الجبل يسقي القبر ظلاً، وكأنه يقول: إنه يسقي القبر فكرة الغياب والرحيل، فالغياب في شعره هو الموت. من جانب آخر، تظهر طواعية المعنى وجماليات البناء الشعري لدى راشد ثاني في توصيفه للظل، فمرة يرسم له صورة الهوة العميقة، والليل الدامس، ومرة يحوله إلى ماء، يروي فيه الجبل قبراً، لينبت فكرة الغياب، ويورق الموت في صورة الظل.

مشاركة :