لست منطوياً على نفسي ولكنني أخشى الاقتراب كثيراً من الناس.. أعتبر نفسي مليئاً بالعيوب والأخطاء فأخشى أن يصطدم بحقيقتي من يحبني ويحسن الظـن بي.. أشبه نفسي بلوحة زيتية تراها جميلة من بعيد، ولكن كلما اقتربت منها تكتشف فيها المزيد من الشقوق والأخطاء والعيوب.. أعـتبر نفسي تجربة إنسانية -وليس تجربة مثالية- ولكن من يقتنع بهذه الحقيقة أو يشاركني هذا الرأي.. أجمل ما أملكه هو قناعتي بهذه الحقيقة.. قناعتي بأن إدراك عيوبنا (ولماذا يحبنا ويكرهنا الناس) خطوة قد تجعلنا أكثر جمالاً ممن يعميهم الغرور عن رؤية هذه الحقيقة.. وسواء لاحظت ذلك أم لم تلاحظ، يكره الناس في الآخرين صفات وتصرفات تبدو واضحة وجلية (ومع ذلك لا يخبرون صاحبها بها).. فهم مثلاً يكرهون المتعالي ومن يتحدث عن نفسه كثيراً.. يكرهون من يعاملهم بفوقية وكأنه أستاذ عليهم.. يكرهون من لا يمنحهم فرصة الحديث أو يستمع إليهم.. يكرهون من يغتاب الـناس ويكشف عيوب الآخرين.. يكرهون من يتصرف بسلبية ويثبط أفكارهم بشكل دائم.. يكرهون من يُقيم الناس بحسب أنسابهم أو قبائلهم أو رصيدهم في البنك.. يكرهون من يتصرف بهجومية ويعتبر كل كلمة تصرفاً عدائياً.. يكرهون من يتصرف بفوقية وينصب نفسه رئيساً دون انتخاب.. يكرهون كل متعجرف وفظ وغليظ القلب لو كان نبياً مرسلاً وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.. وفي المقابل يمكنك أن تكون محبوباً بين الناس من خلال تحاشي كل هذا ومحاولة فعل العكس تماماً.. كن هيناً ليناً كي يقتربوا منك ويستمتعوا بوجودك.. ابتسم كي تثير فيهم مشاعر الراحة والطمأنينة.. كن منفتحاً كي يندمجوا معك ويخبروك أكثر.. كن متواضعاً كي يرفعوا منزلتك ويقبلوا تفوقك عليهم.. لا تمر بجانبهم دون إلقاء التحية أو الحديث معهم.. لا تتذمر أو تتشكى أو تغتاب أحداً أمامهم.. استمع لهمومهم ومشاكلهم وتعاطف معهم.. جاملهم وامتدح إنجازاتهم وتمنّ لو فعلت مثلهم.. تواصل معهم وتجاوب مع اهتماماتهم ولا تكن مثلي (حيث يصعب علي التجاوب مع وسائل التواصل الاجتماعي).. .. لست بحاجة لتصنع كل ذلك، فـفي داخلك قدر كبير من النزاهة والمحبة والروح الجميلة.. أظهر ذلك من خلال تعاملك مع الصغير والكبير -والقوي والضعيف- بنفس الاحترام والروح الجميلة.. فـجوهر الإنسان ومعدنه الأصلي يظهران من خلال تعامله مع الأدنى منه منزلة وليس مع من يفوقه منزلة (الذي سيتعامل معه حتماً بأدب واحترام).. من المهم فعلاً أن تتنبه لكل العناصر التي يحكم عليك الناس من خلالها.. فالناس أنفسهم لن يخبروك بالصفات التي يحبونها أو يكرهونها فيك.. حتى أقربائك وأفراد عائلتك لن يصارحوك غالباً بوجودها.. هل تتوقع من ابنك مثلاً أن يخبرك بصفاتك الكريهة.. هل تتوقع من سائقك أو موظف يعمل لديك أن ينبهك للطريقة المثلى للتعامل مع الناس.. هل تتوقع من أقرانك وأصدقائك أن يمتدحوك صباح مساء ويخبروك كم أنت أفضل منهم؟! يجب أن تعرف كل ذلك بنفسك.. أن تكتشف كل ذلك دون مساعدة غيرك.. أن تبدأ بفهم أسباب الحب والكراهية بين الناس لتصبح جذاباً في نظرهم.. أن تبقى متواضعاً طوال عمرك، لعلك تكون مقبولاً محبوباً فيما تبقى من عمرك.. أن تتخيل نفسك كلوحة زيتية مليئة بالشقوق والعـيوب لعل الزمن يصقل صورتك بمرور الأيام.
مشاركة :