في أوائل السبعينات من القرن الماضي، اعترض ملك بوتان الرابع على النموذج العالمي للتنمية، مصرحاً بأن السعادة المحلية الإجمالية أهم من الناتج القومي الإجمالي. وتباعاً تم اعتماد مؤشر «السعادة الوطنية الإجمالية» لإدارة التنمية وقياس التطوير في بلاده. ويتميز هذا المؤشر في أنه يجمع بشكل تكاملي بين معايير التنمية المجتمعية والاستدامة البيئية والحفاظ على التراث والثقافة من جهة وبين معيار النمو الاقتصادي من جهة أخرى. في عام 2011 انتقل مؤشر السعادة من المستوى المحلي في مملكة بوتان إلى المستوى العالمي من خلال منظمة الأمم المتحدة، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو الدول الأعضاء إلى قياس السعادة لشعوبها والاستعانة بهذا المؤشر في توجيه سياساتها العامة. ومنذ أبريل 2012 تصدر الأمم المتحدة تقريراً كل 18 شهراً تقريباً حول مؤشر السعادة في العالم. وتقرير هذا العام هو النسخة الرابعة. تصدرت دولة الإمارات العربية خليجياً وعربياً، في تقرير السعادة العالمي الأخير، حيث احتلت المركز الـ 28 (من بين 157 دولة) عالمياً. وهذا لم يكن مفاجئا للمتابعين بل هو نتيجة طبيعية لمشاريع تعزيز السعادة في الامارات، ومنها تبني حكومة دبي في 2014 مؤشر السعادة لقياس رضا الجمهور عن الخدمات الحكومية المختلفة. وجاءت الكويت في المركز الـ 41 بعد السعودية 34 وقطر 36 والمغرب 38. الجدير بالذكر أن ترتيب هذه الدول، وفق الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، غير متوافق مع ترتيبها وفق مؤشر السعادة، حيث إن ترتيبها تنازلياً كما يلي: قطر، الكويت، الامارات، السعودية، ثم المغرب. لقد تألمت كثيراً عندما وجدت سورية في المركز الأخير عربياً وقبل الأخير عالميا، في حين أن المناطق الفلسطينية المحتلة ظهرت في المركز الـ 108. أسأل الله أن يخلص البشرية من الإرهابيين وممن يدعمهم. يقاس مؤشر السعادة من خلال 6 عوامل، هي: الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، وسنوات الحياة الصحية المتوقعة، والدعم الاجتماعي (كمساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية)، والثقة (غياب الفساد الملحوظ) في الحكومة وقطاع الأعمال، وحرية اتخاذ قرارات الحياة، والكرم (التبرعات). علما بأنه يتم تقييم هذه العوامل وفق التقارير المنشورة على مستويات عدة ومنها الدولية، بالإضافة إلى مشاركين من سكان الدولة. منذ صدور التقرير الأول للسعادة، والاهتمام العالمي في ازدياد مستمر فيه، حيث تضاعفت الجهود من أجل الوصول إلى التعريف الأمثل للسعادة وتحديد طرق قياسها، فضلاً عن كيفية توظيف مؤشر السعادة لقياس التنمية وترشيدها. لذلك عرض في التقرير الأخير مدى تأثر مؤشر السعادة بعدم المساواة في الرفاهية على مستويين: الأول بين المناطق داخل الدولة الواحدة، والثاني بالمقارنة مع دول الجوار. المراد أن مؤشر السعادة تم قياسه بمهنية عالية في التقرير الأخير بالرغم من استمرار المساعي لتحسين دقة وموضوعية قياسه في التقارير المقبلة. لذلك أناشد الجهات الحكومية المعنية - كالإدارة المركزية للإحصاء - والباحثين المهتمين في المؤسسات الأكاديمية، دراسة نتائج هذا التقرير المهم كل من زاويته ومنظوره. فعلى سبيل المثال، إذا قارنا بين نتائج الكويت والإمارات في كل من العوامل الستة المشمولة في مؤشر السعادة، لوجدنا أن الكويت تتفوق على الامارات في عاملين، هما: الناتج المحلي الإجمالي للفرد والدعم الاجتماعي. في المقابل تتفوق الامارات في العوامل الأربعة المتبقية، ومن بينها عامل الثقة في الحكومة وقطاع الأعمال وعامل حرية اتخاذ قرارات الحياة. أتساءل كيف تتفوق الامارات علينا في هذين العاملين بالذات، ونحن الذين نتميز بحقنا في حرية اختيار نواب برلمان له صلاحيات تشريعية ورقابية فريدة على مستوى المنطقة، فضلاً عن تفوقنا في مساحة حرية التعبير والإعلام؟! هل الفساد استشرى في الكويت ووصل إلى جهات مراقبته، كالمجلس ووسائل الاعلام؟ هل نتائج الكويت في تقرير السعادة العالمي تؤكد أولوية تشريع قانون يعزز نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة، بدءاً من الدعوة إلى اجرائها وانتهاء بإعلان نتائجها وإجراءات الطعن والتدقيق والمراجعة؟... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه». abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :