«حرية التعبير في عالم مفتوح»

  • 9/1/2016
  • 00:00
  • 249
  • 0
  • 0
news-picture

المرحلة الثقافية الراهنة تتأثر بعوامل من صميم المتغيرات الاجتماعية والسياسية للمنطقة بصورة عامة، أي أننا في خضم تحولات وتفاعلات معقدة تتطلب وعيا مضاعفا بكل متغير وعزله عن الآخر، لأنه بدون جهد فكري من الصعب استيعاب المجريات بصورة تتماس مع أن تكون أكثر منطقية وموضوعية، حتى يتم تجاوز هذه المرحلة الى بر الأمان. تلك الحالة الثقافية التي يمكن أن نجد أصداءها في المواقع الاجتماعية تأكيد لصعوبة التعامل مع المتغيرات، لأنها في جانب سلبي منها تأتي من منطلقات ذاتية وشخصية لا تتفق مع معايير المنطق، ولكنها تكشف جوانب مهمة من التحولات وأنماط التفكير، وذلك يصل بنا الى أحد أهم أشكال السلوك الثقافي والحضاري والتي تتجسد في حرية التعبير التي لم يعد بالإمكان مصادرتها أو إقصاؤها، فهي في واقع الوسائط التقنية المعاصرة تأخذ وضعا انسيابيا لا يمكن السيطرة عليه إلا بممارسة مضادة تنطوي على سلبيات لا تعالج الحالة موضوع التعبير. حرية التعبير التي نشأت عقب الثورات العربية الأخيرة وفي ظل العملية التفاعلية عادت حقا مشاعا يمكن أن تأتي أي جهود للحد منها بنتائج عكسية، ما يضعها في معادلة إما أن يتمتع بها الناس بكاملها أو تؤخذ بكاملها، فلم تعد هناك حلول وسطى فيما يتعلق بالحق في هذه الحرية، وفي الواقع هي ليست مخيفة أو ذات ضرر مؤكد، إلا إذا خرجت عن الآداب الاجتماعية والإنسانية وترادفت مع التشهير والقذف والشتم، عدا ذلك فهي من الأصالة بما يجعلها مخيفة للاقتراب منها بالنزع أو الكتم. تجارب كثيرة في محيطنا تكشف أن محاولة التأثير في حرية التعبير لم يكتب لها النجاح، وإنما أكدت ما ذكرته سابقا من أن ذلك يأتي بنتائج عكسية، لذلك من الحكمة التعامل معها بحذر، فلم يعد هناك ما يمكن تخبئته من أي حقوق إنسانية أو اجتماعية أو ثقافية أو مهنية، ولم يعد من مجال لتوظيف مثل تلك الحريات في أطر تخدم سلطات عليا، وإنما هي مساحة وفضاء شاسع يلتقي فيه الجميع بنزاهة وتقويم وتقييم للأحداث والسلوكيات التي تتعلق بالشأن العام، وبالتالي فإن مفاهيم تقليدية مثل حارس البوابة لم تعد ذات قيمة لأن البوابات كلها باتت مفتوحة، وذلك ببساطة لأن العالم بأسره أصبح مفتوحا ما يجعل حرية التعبير مثل طائر حر يحلق في الفضاء ويراه جميع الناس، والخاسر من يحاول اصطياده.. لم يعد عالم اليوم مثل الأمس، فلو سقط قلم من على الطاولة تناقل الجميع ذلك دون أي حواجز في دلالة على سرعة الأشياء وعدم السيطرة على الشر والبث.

مشاركة :